الصفحات

الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

توصيف مسألة الهوية بالمشكلة.. بحد ذاته مشكلة !


من نحن ؟
وماهي هويتنا ؟!
هل هي فردية ، أم عرقية ، أم جهوية ، أم مناخية ، أو وطنية ؟!
أم هوياتنا متبدلة.. كلما عن لمفكرينا من محاولات صكها في ثنائيات متجددة.. حسب الأحوال ومجرى ريح الأحداث وما تتطلبه من مطايبة ومسايرة لواقع ما.. ؟!
تمهيد :
الهوية كتعريف منهجي :
مصطلح الهوية مشتق من الضمير( هو) في اللغة العربية ، مصطلح يستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات من ناحية تباعد أو إنتماء ، لذلك نجد للهوية عدة تفرعات ( كالهوية الفردية ، والهوية الوطنية ، والهوية الثقافية ، أو الجمعية إلخ..) فهنالك نماذج عديدة للهويات بالطبع.
فمثلا ، الهوية القومية هي التي تميز أمة ذات مشتركات محددة عن غيرها ، وتضم مجتمعات تجمعها رقعة مشتركة ( أرض ، أو حيز جغرافي في قارة ما) وعدة عناصر داخلية متشابهة من عرق وتاريخ مشترك وثقافة متشابهة السمات ولغة ..وفي غالب الأحيان تتعدد الثقافات والأصول واللغات مما يشكل تحديا للدولة القومية. والتعامل مع هذا التحدي بالذات هو المحك الذي يفرق بين الدولة المتقدمة والدولة المتخلفة .
والهوية القومية والوطنية تكون تحت مظلة ( الهوية المجتمعية) أي العناصر المجتمعية المكونة لكيان سياسي ما (دولة)  .
عقدة الهوية القومية :
في حالات معينة قد تلتبس الهوية القومية وتعبر عن نفسها في شكل عقدة ، وذلك حين تشمل الدولة القومية بداخلها على ثقافات ولغات وأعراق متعددة. 
لذلك مفترض أن يقنن مصطلح الهوية ويستخدم من قبل المؤسسات المكونة للدولة بتفويض مفترض من قبل المجتمعات المكونة لها بعد الإتفاق على تعريف دقيق .  وأن ينص على ذلك في الدستور بصورة واضحة وغير ملتبسة ، كي يتفرغ الشعب وقادته ونخبه لما هو أهم..
الهوية في علم النفس الإجتماعي :
ضبابية وغموض مفهوم الهوية ومتى يتحول إلى أزمة هوية :
فحسب مالك شبل ، أن مفهوم الهوية يمكن تعريفه بديهيا ولا يحتاج أن نمعن في تشريحة حتى يتحول إلي أزمة وضبابية  مما يسهل إستغلاله إستغلالا آيدولوجيا مغرضا.. قد ينحرف به عن اهدافه ( كما حدث عندنا عندما تبنت حكومة الإسلاميين هوية عربوإسلاموية)  .
وهو يرى بأن الغموض المفاهيمي لتعريف الهوية القومية والثقافية جعلهما حجة تستخدمها غالبا دول العالم النامي لإخفاء فشلها السياسي والإقتصادي ، وهي غالبا تستخدمها كسلاح نفسي تصنع به حاجزا نفسيا وثقافيا ضد المجتمعات الغربية وثقافاتها التي لا تتشدد هوياتيا.. وتتيح لأفرادها بأنماط مستقلة من الهوية ( كالهوية الفردية ، والهوية الجنسانية إلخ..) .
كما أن المجتمعات الغربية أغلبها متسامحة في هذا الشأن ولا تغلق هوياتها في وجه الآخرين. 
،،،،،،،
مسألة جعلوا منها مشكلة :
.. فاستعصت عن الحل لمن اخترعها :
المشكلة أن هروب النخب السودانية بعد الإستقلال من هوية السودان الأفريقية جغرافيا وتاريخيا.. وتغربهم عنها وميلهم كل الميل ناحية الثقافة العربية ،هو ما أوجد جدل الهوية هذا من الأساس ..
ثم بعد فوات الأوان.. وبعد أن أدركوا خطأهم في تبنيهم لثقافة أحادية تسببت في سلسلة من الحروب الأهلية ، فكروا وتدبروا ثم صنعوا لنا سلسلة من الهويات الأخرى ، ولكن ثنائية هذه المرة :
وصار كأنما قدرنا ان نعيش في ثنائيات وهمية : غابة وصحراء ، نوبة/عرب ، عرب/زنج ..
إلى آخره من مسميات تعد من قبيل طق الحنك.. الذي لا يعرف عنه المواطن البسيط الكثير ولا يريد أن يعرف عنه.. 
فتجاهلهم للتاريخ والجغرافيا والأنثرلوجيا يجعلهم يدورون في فنجان... مع أن الوطن أكبر من فناجينهم..
فمرة هوية أحادية ومرة ثنائية.. ولما (إحتاروا ).. وعرفوا أن تعدد إثنيات السودان وثقافاته تفوق أوهامهم النخبوية الفنجانية الضيقة.. 
تلقفوا مصطلح  (هوية سودانيوية ) الذي إقترحه القائد الراحل د. جون قرنق من باب (المطايبة السودانية المعتادة) .
تلقفوا مصطلح السودانيوية بلهفة لأنه مريح .. ويوافق هواهم.. وازماتهم النفسية وهروبهم الازلي ، فهو لا يجعلهم أفارقة خلص.. وفي نفس الوقت لا يبعدهم عن حضن (العروبة) الدافئ والوهمي !
حين أن التاريخ الحقيقي للشرق الأوسط.. لا يعتد بوجود أمة عربية ولا بعرق عربي وهمي يمتد ( من المحيط إلى الخليج)  ، وحتى أدبيات حزب أو أحزاب البعث العربي (العلمانية) تهربت من هذه الحقيقة بأن تفتق ذهن مفكريها عن بعث تعريف ( ديني ) لمفهوم العروبة بأن كل من يتحدث اللغة العربية فهو عربي...!!
طيب ليه اللفة دي كلها..  ؟!!
ما الذي جعل العروبة هدف مشتهى إلى هذه الدرجة ؟
إنه الدين يا سادة.. أو مفهوم الدين والثقافة الاسلامية التي انحرفت في مرحلة ما.. من مبادئ إنسانية نبيلة : ( كلكم لآدم وآدم من تراب)  و (الناس سواسية كأسنان المشط ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى )..
إلى تمجيد العروبة القرشية وآل البيت.. 
إلى درجة ابتداع ثقافة إسلامية بديلة ذات صبغة عروبية خالصة ( إسلاموعروبية) في ثنائية مصنوعة أخري ..
جعلت حتى من ميشيل عفلق غير المسلم يبتدع لأمم عديدة ذات ثقافات وأصول متعددة هوية واحدة محصورة و( محشورة)  في الإنتماء لثقافة أحادية ..رغما عن أنف التاريخ والجغرافيا والأنثربولجيا.. 
بل حتى الجيولوجيا هههه!!
لا ادري ما المسألة حقيقة في كونك تحمل جنسية بلد ما من بلدان الله الواسعة.. ما المسألة في كون جوابك على سؤال الهوية ، أن تجيب بكونك سوداني فقط.. أو مصري فقط أو فلسطيني أو جزائري.. مثلا ؟!
فتحوير بسيط في مسمى الهوية من سودانية الي ( سودانوية)  رغم مطايبته ..إلا أنه يحول النسبة من هوية قومية وطنية الي مسألة أخرى ..ضبابية. 
فتخيلوا معي ، أن يسالك أحد الأجانب عن هويتك فتجيب : هويتي سودانوي !
او أن تسأل انت مواطن جزائري مثلا عن هويته ، فيجيبك : هويتي جزائراوي !
فالجنسية الوطنية مفترض أن تحسم هذه المسألة الشائكة ، ومن ثم الانتماء القاري.
اعتقد أن عادة المطايبة السودانية ..في توصيف مسائل خطيرة كهذه تؤدي إلى ضبابية لطالما عانينا من آثارها ، وفرخت سلسلة من الحروب الأهلية . فعدم حل المسائل المصيرية يحول الأمر من محاولة (حل مسألة ) الي صنع مشكلة قادمة أخرى تستعصي عن الحل والتوصيف .
ثم قد يتفرغ النخب لعقود قادمة أخري في توصيف ومحاولة شرح مصطلحات..وتحوير مصطلحات..تؤدي إلى تفريخ مزيد من المصطلحات .
وفيما نحن ونخبنا لا نزال مشغولون بطق الحنك في جدال لا ينتهي حول الهوية.. 
نجد في العالم الحر تيارات عصرية تنادي بنظرة حداثية إلى تعريف الهوية ، بل وتدعو إلى إلغاء الهوية الوطنية أو القومية !
صراع الهوية على المستوى العالمي :
تعالت دعوات أنصار الهوية العالمية ، بعد تفشي نظرية ثنائية عالمية (هذه المرة ) ألا وهي حتمية تضاد أو عدم تناظر ( العالم الغربي ، والعالم الشرقي) ، والتي من منظريها الأكاديمي الأميركي صامويل هنتغتون ، والتي تمثلت نظريته في حتمية تصادم وصراع الحضارات. 
ورغم وجاهة نظريته ، خاصة أن لها الكثير مما يدعمها من شواهد وأحداث في عالمنا اليوم ، إلا أنها جوبهت بنقد منهجي فكري وعلمي تاريخي يستند على إستحالة رسم مسار محدد لحركة التاريخ في نظرية جامدة ، فحركة التاريخ متجددة ولا تأبه للتضادات على المستوى العالمي ، ولا تعرف الحدود الثابتة بين الثقافات خاصة في زمن العولمة ، ونهاياته مفتوحة على كل الاحتمالات ، فالحضارات والثقافات المعاصرة تتلاقح بنمط متسارع لم يسبق ليه مثيل..خاصة مع التقدم التقني.
فما الذي قد نفهمه ونستوعبه من هذا على المستوي المحلي ؟
* المقال قد يعد مساهمة مني في طق الحنك المثقفاتي.. 
* مالك شبل المذكور في المقال : جزائري فرنسي ، مفكر و فيلسوف وباحث أكاديمي في الأنثرولوجي والتاريخ ، وكان من المنادين بحوار الأديان.
له عدة مؤلفات أهمها : تكون الهوية السياسية .
آمنة أحمد مختار أيرا
27 may 201

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق