الصفحات

السبت، 10 نوفمبر 2018

في عرين الرجال

كسودانيين ، تربينا على ثقافة ( البمد يده على مرة ما راجل )  .

فرغم أن مجتمعنا الحالي ذكوري كمعظم المجتمعات في محيطنا ، إلا أن أسلافنا أورثونا ثقافة أن للمرأة السودانية مكانة خاصة واحترام خاص .

حتى أنه كانت تقاس مكانة الرجل بمقدار إحترامه لأمه ونساء أسرته.. وبرقي تعامله مع الزميلة والصديقة.. والأنثى في الشارع .

وأعتقد أن هذه القيم مستمدة من تاريخنا العريق والقديم.. الذي كانت تتوج فيه المرأة ملكة تحكم وتقود الجيوش..

وشاعرة تستنهض الهمم ضد الأعداء والمستعمر .

قيم مستمدة من إرث كان يستمد فيه الزعيم والملك زعامته عن طريق سلالة والدته لا أبيه.. ويورث الملك والزعامة لسلالة أخته لا لسلالته الذكور من صلبه .

........

ورغم أن هذا كان تاريخا قديما يعود لمجتمعات أمومية وإرثا مستمدا من تقاليدنا الأفريقية القديمة..

ورغم وفود ثقافات ومعتقدات جديدة حولت مجتمعاتنا من أمومية إلى أبوية ..

إلا أن رواسب ثقافاتنا السودانية القديمة في احترام المرأة وتبجيلها واستهجان ممارسة العنف ضدها كانت لا تزال حتى وقت قريب.

بل كانت هذه الثقافة تتجلى في قيم الفروسية المغناة والمحكية والمنشدة شعرا .

.......

قرأت كغيري عن حادثة التعدي على رئيسة نادي الموردة الأستاذة حنان خالد بالضرب والشتم من أحد أعضاء مجلس ادارة النادي ، بسبب خلاف بينهم في وجهات النظر .. !!

واكب هذا الحادث الغريب.. إقتحام النساء لمجال رياضة كرة القدم بقوة وجدارة.  هذا المجال الذي لطالما كان حكرا على الرجال.

وهذا الحادث الغريب قد يحمل عدة إشارات.. من ضمنها أن بعضهم قد يكون غير راض عن إقتحام النساء لهذا المجال الذي قد يعتبره بعض من الرجال حكرا عليهم .

هذا ، رغم أن المرأة السودانية خاصة قد أثبتت جدارتها في كل مجال ولجته.

بل كانت لها الريادة في عدة مجالات سبقت بها الأخريات في محيطنا الجغرافي والثقافي الممتد في قارتين .

وقد سبقت هذه الحادثة الأخيرة.. تلك الحادثة الشهيرة والتي تعدى فيها بالضرب على إحدى طالباته أستاذ جامعي مرموق ومدير جامعة يفترض أنها تنهض بالنساء وتوعيهن بحقوقهن.

ألا وهو بروفيسور قاسم بدري.. الذي شاء القدر أن تكشف تلك الحادثة أن البروف معتاد على ممارسة العنف والوصاية الأبوية على طالباته بكل عنجهية وتعال ذكوري يرتدي مسوح شيوخ الدين ..وهو التقدمي إفتراضا !!

......

فهل يمكن النظر إلى هاتين الحادثتين بصورة منعزلة..؟!

أم يجب التأمل من خلالهما على ثقافة عامة سادت في العقود الأخيرة ..

تسوق وتبرر لإذلال النساء وتشرعن للعنف الممارس ضدهن.. سواء كان عبر القانون أو من غيره .

فكأن المجتمع صار فجأة يكره النساء.. لسبب مجهول وغير مفهوم !!

ابتداء من تلك القوانين التي سنت فجأة ، لتفرض على النساء زيا معينا.. وتمنعنا من دخول المدارس والجامعات حتى لو في عز أيام الامتحانات ..!

ومرورا بتفشي التحرش واللعن والنظرات الغاضبة والمترصدة تجاهنا في الشوارع..

والتحرش والمضايقات في أماكن العمل..

ولم تسلم منه أيضا عضوات المنظومات السياسية التي تبشر ببرامج طموحة وطليعية..

وكذلك جلد النساء أمام الملأ الذين يتفرجون بتلمظ وشماتة..

وانتهاء بانتشار الاغتصاب في مناطق الحروب ..الذي لم تسلم منه حتى الطفلات ..!!

وثم ، والله وحده يعلم والحال كهذه.. بما قد صار يحدث داخل البيوت المغلقة .

فإذا كانت نفس المؤسسة العريقة التي كنا نظن أنها منوط بها دراسة ظواهر العنف ضد المرأة بصورة علمية ومنهجية ، وكنا نعتمد على  دراساتها ودارساتها ..في رسم خارطة طريق لنا لمعالجة هذه الظواهر عبر رصد إحصائيات وتوفير المعلومات عبر الأبحاث الجادة ، كي نتمكن من وضع استراتيجيات ومعالجات.. اتضح أنها نفسها موبوءة بنفس هذا الداء الذي صار مستشر.. ويا له من داء !!

فما العمل إذن يا قوم.. ؟!!

فهل يمكن أن ينهض مجتمع ما.. وأحد كتفيه مائل ؟

آمنة أحمد مختار أيرا

27 Mar 2018

hopenona7@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق