الصفحات

الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

روح القانون ، روح الزواج ، وروح نورا..

روح القانون ، روح الزواج ، وروح نورا..

استهلال :

*  روح القانون :
عبارة روح القانون ، أكاد أجزم أنها قد وردت ونوقشت كثيرا على مر الأزمان وفي حضارات وثقافات متعددة ، عندما كانت تطرأ معضلة التطبيق الحرفي لنصوص القانون بصورة ربما تجعلها تبدو متناقضة مع إحدى صور العدالة كمفهوم إنساني .. وقد تمثل في هذه الحالة انحرافا معياريا وموضوعيا عن العدالة المتحراة مما يجعلها تبدو بعيدة عن التوازن العدلي ومتناقضة معه.
وقد ظهر هذا المصطلح بصورة مصاغة فلسفيا في كتاب للفيلسوف الفرنسي مونتسيكو في القرن الثامن عشر بعنوان :( The Spirit of the Laws ) .
ورغم أن فلسفة مونتسيكو في الأساس تناولت الفصل بين السلطات (التشريعية ، والقضائية ، والتنفيذية)  من منظور سياسي . ولكن فقهاء القانون تناولوا (مبدأ روح القانون ) الذي إستنه مونتسيكو وناقشوه من خلال معضلة تزمت النص القانوني أحيانا في وقائع مختلفة..قد تجعله يبدو منحرفا في بعض الأحيان عن تطبيق روح العدالة وبالتالي عن تحقيق السلام والأمن المجتمعي المرتجى والمأمول من تنفيذ النص القانوني بحرفيته ومواده العقابية الصماء .

*  روح الزواج :
المصطلح من عندي ، وأقصد به الغاية النبيلة الأساسية التي قد تجعل من فردين مستقلين ومن خلفيتين مختلفتين وتجارب ونشأة أسرية مختلفة ..أن يقررا إقتران حياتهما معا والعيش معا تحت سقف واحد ليؤسسا نواة مجتمعية وأسرة جديدة .

لو رجعنا للقرآن الكريم كمصدر للتشريع يستند إليه قانون الأحوال الشخصية السوداني ، فسنجد أن القرآن يوضح روح الزواج في آيات عديدة مثل :
1-
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم :21) .
فهذه الآية عبرت عن ( روح الزواج)  بكل بلاغة وجمال :
خلقنا لكم من أنفسكم أزواجا..
لتسكنوا إليها..
وجعل بينكم مودة ورحمة ..
2 -

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] (البقرة: 187).
 والرفث فسر بمعنى المباشرة أو الملاطفة..
وكذلك عبارة هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ..
توضح أن الزوج والزوجة ( ستر وغطا ) لبعضهم البعض.
وهذه هي (روح الزواج)  .
3 -

وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم. ( البقرة الآية231) .
والمعنى واااضح..
فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان..
ولا تمسكونهن ضرار لتعتدوا..

4 -
كذلك في السيرة النبوية وردت أحاديث :
( لا ضرر ولا ضرار ) .
5 -

من ما رواه مسلم (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن) قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟.. قال "أن تسكت" وفي رواية "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها".
6 -
وذكر الحارث في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل زوج بنته دون أن يستشيرها "أشيروا على النساء في أنفسهن".
7 -
روى البخاري أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة- وكانت ثيبا - فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها.
8 -
وفي السنن : أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهى كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم يعني جعل لها الخيار في إمضاء هذا الزواج وفي فسخه .
9 -
وروى أحمد والنسائي وابن ماجه أن رجلًا زوج بنته بغير استشارتها، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن أبى زوجني من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته.
وأوضحت: فجعل الأمر إليها، فلما رأت ذلك قالت: أجزت ما صنع أبى، ولكنى أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء.
10 -
وروى عبد الرزاق أن امرأة قتل عنها زوجها يوم أحد ولها منه ولد، فخطبها عم ولدها ورجل آخر، فزوجها أبوها من هذا الرجل، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تريده، وتريد عم ولدها لأنه أخذ منها ولدها، فقال لأبيها "أنت الذي لا نكاح لك اذهبي فانكحي عم ولدك".
،،،،،،،،،،،،،،،،

فكما رأينا في هذه النصوص الواضحة والبليغة التي تعبر عن روح الزواج في الإسلام.. والذي من أهم شروطه موافقة الطرفين .
وبالتالي تبطل هذه النصوص الزواج الذي تجبر عليه البنت .
فلا أدري بأي قانون حكم القاضي علي الشابة نورا حسين بأن الشخص المعتدي الذي قتلته إنتقاما لشرفها وكرامتها هو زوجها قانونا ؟!
حتى يأتي ليحدثنا عن ورثة ووراث واستبعاد من الميراث..!!
حين أنها لا تعد زوجة القتيل شرعا حتي لو عقد عليه وليها ، وهي قاصر ومراهقة لم يكتمل لديها تطور الفص الدماغي بعد ..
والأهم أنها لم توافق.

وكذلك لماذا لم تتم مراعاة الظروف النفسية القاهرة التي عانتها لمدة ثلاث سنوات وهي ترفض هذا الزواج القسري حتى اضطرت للهرب.. ومورس عليها الخداع كي تعود وتقع في براثن هذا الفخ الزوجي ؟!
ولماذا ألزمها القاضي الهمام هذا بدفع تكاليف اللجنة الطبية النفسية لدراسة حالتها.. وهو يعلم أنها فقيرة وحتى عائلتها تخلت عنها ؟!!
وكيف سمح محامي الإدعاء لنفسه بمعايرتها في وسائل الإعلام بأن القتيل كان يصرف عليها وعلى أسرتها ماديا.. ؟!!
فهل لا زلنا في عهد الرقيق يا محامي الإدعاء أم ماذا ؟
وكل من يستطيع أن يشتري جارية يصرف على أهلها وتكون له يفعل بها ما يشاء.. يغتصبها.. يأكلها.. وربما يبيعها !!

وطالما أن زواج نورا من قتيلها باطل أصلا بانتفاء أهم شروط الزواج وهو موافقة الطرفين فهو إغتصاب ولا يوجد له مسمى آخر .
هذا ناهيك عن أن الإغتصاب هو إغتصاب حتى لو كان بين زوجين ، وحتى لو لم يوجد نص في القانون السوداني يجرم إغتصاب الزوج لزوجته ..
لماذا ؟ لأن هذه ليست ( روح الزواج)  المنصوص عليها في الشرع الإسلامي المستمد منه قانون الأحوال الشخصية السوداني ..

وإليكم النصوص التي تجاهلمتوها يا ممثل الإدعاء ويا أيها السيد القاضي ، والتي تفرق بين المعاشرة الزوجية الحقة وبين الإغتصاب الزوجي :
1 -( لا يَقَعَنَّ أحدُكم على امرأتِه كما تَقَعُ البَهيمةُ وليكنْ بينهما رسولٌ ) قيل : وما الرسولُ ؟ قال : ( القُبْلةُ والكَلامُ ) .

2- عن أنس قال : قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ثَلاثةٌ مِن الجَفَا : أنْ يُؤاخِي الرَّجلُ الرَّجلَ فَلا يَعرِف له اسْماً وَلاَ كُنْية ، وَأن يُهيِّئ الرجلُ لأخيهِ طَعاماً فَلاَ يُجِيبه ، وأن يَكونَ بَيْن الرجُلِ وَأهلِه وِقاعٌ مِن غَير أن يُرسِلَ رسُولاً : المِزاحُ والقُبَل ؛ لا يَقَع أحدُكم على أَهلِهِ مِثلَ البَهِيمة على البهيمةِ ) .

هذا ناهيك عن تجاهل محاكمة المغتصبين الآخرين الذين شاركوا في هذه الجريمة الشنيعة وضربوا وشلوا حركة فتاة عذراء وهتكوا سترها وحيائها ، بل ومن سخرية القدر أن بعضهم كان شاهد إدعاء على هذه المسكينة!!

ختاما : حتى لو كان هذا الزواج المزعوم زواجا صحيحا مكتمل الأركان ، فماهو حكم الشرع يا (سيدي القاضي)  في ممارسة الزوج الجنس مع زوجته أمام ملأ.. ؟!!
ونحن نعلم أن هذا الفعل لم يحدث في هذه الواقعة وحدها.. بل يحدث في مناطق عديدة في هذا الوطن تجبر فيها الصغيرات على الزواج ، ثم يتطوع أصدقاء العريس ووزيره بمساعدته في تكتيف العروس المسكينة حتى يفض عذريتها بكل بهيمية..
عكس ما نهانا القرآن الكريم والرسول صلعم.
وعكس كل الشرائع والحس الإنساني السليم.

فأين تطبيقكم لروح القانون في هذه الحالة..
وروح الزواج.. من مودة ورحمة ورسول من قبلة وكلام وملاطفة ..
فقط.. تواطأتم على سرقة روح نورا المسكينة مرارا وتكرارا..
فهل تظنون أنها قد تبقت منها بقية من روح كي تسلبوها بحكم إعدام.. ؟!
وترى.. كم من نوارات إنطفأت أنوارهن الواعدة فيك يا سودان...؟!!

آمنة أحمد مختار أيرا
7 May 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق