الصفحات

الخميس، 17 يناير 2019

للنقد أوقات ..وللعمل مثلها..

    خرج الشارع في مدن الأقاليم : الدمازين ثم بورتسودان وعطبرة..
    ثم تفاقم الغضب والهدير في حراك رائع ومتواصل.. معبر عن إرادة شعب صبر كثيرا.. مستعيدا أملا كنا قد فقدناه.. ورافضا تدجينا ويأسا كنا نظن أننا قد اعتدناه..
    ثم برز تجمع المهنيين السودانيين وتلقف الراية واستلم قيادة المسيرة.. حين تباطأت التنظيمات والكيانات السياسية وترددت في دعم الحراك ،ولا نقول تخاذلت.. ولكن غالبا ترددها كان خشية من أن تحبط حراك الشارع المدني لأنها ربما كانت تعلم بأن غضبه منها وسخطه يكادان يماثلان غضبه من نظام المتأسلمين.
    فكل متأمل للواقع والأحداث كان قد أدرك أن الشعب قد آيس و(رمى طوبة) المعارضة المنظمة وكياناتها ، ولا نلومه بالطبع.. فلكل شى سببا .
    ولكن ليس هدفي في هذا المقال نقد ودراسة وبسط هذه الأسباب ..فلكل مقام مقال.
    المهم، أن الجماهير تخطت هذه العقدة الآن.. وتجاوزت غبنها من المعارضة السياسية المنظمة ،وقررت أن تستلم راية الحراك المدني بدأب وشجاعة وعزم ليسو بغريبين على شعب ثائر بطبعه وواعي سياسيا.

    ومع ذلك ، بدأت تبرز بعض الخلافات هنا وهناك وتتعلق باختلاف في وجهات النظر مع تجمع المهنيين حول التكتيك في تنظيم الحراك الثوري ..وحول أن المواكب في الشوارع الرئيسية ومحاولة تسليم المذكرات للمرافق الحكومية قد عرض المتظاهرين لخطر سهولة الاستهداف وقد رفع من عدد الضحايا.عكس تنظيم الحراك داخل الأحياء الذي يتيح للمتظاهرين نوع من الحماية النسبية من قبل حواضنهم الاجتماعية في الأحياء.. وكذلك لمعرفتهم بدروب أحيائهم ومن ثم سهولة ممارسة الكر والفر مع زبانية النظام وإفشال مخططاتهم.
    هذا أولا.
    وثم ثانيا ، برزت بعض الآراء التي تنتقد تجمع المهنيين وتتهمه بتجاهل محاولات التواصل المقدمة من بعض التنظيمات والكيانات خاصة تلك التي من الأقاليم ، وحصره الانضمام لركبه الميمون لتنظيمات بعينها.
    وبدأ التساؤل عن قياداته من هم ، ومن ثم التشكيك في كونهم ينتمون إلى تنظيمات معينة تريد أن تقصي البعض لهدف احتكار المجد السياسي مستقبلا.
    ثالثا ، غضب بعض ذوي الرأي من أن قيادات تجمع المهنيين رفضت الاستماع لنصائحهم التي تصب في صالح الحراك.
    والذي في مرحلته هذه لا أحبذ تسميته مجرد حراك.. بل ثورة.
    لأن هذا الحراك الميمون الآن وصل إلى كل بيت.. وهتافاته وصلت إلى كل الحناجر وكذلك الأقلام.
    لذلك اسمحوا لي أن أسميه بالثورة حتى لو لم تنطبق عليه الشروط المنهجية والتعريفات الأكاديمية للثورات التي تشترط إنجازها التام لأهدافها العليا التي تتمثل في وصولها إلى مراميها وتغيير وإزالة النظام ومن ثم إنجاز التغيير المنشود.

    ما أود أن أقوله هنا ، موجه للنقاد.
    فمما اتضح لي من ردود الجماهير المشتعلة حماسا أنها لا تقبل النقد الموجه الآن لتجمع المهنيين ، وأنها عددا مقدرا من الثوار يعتبرونه ممثلا لهم.
    هذا رغم أن هنالك حراكات في الاقاليم اختطت خطا خاصا بها وحدها.. ومواقيتا لنزال النظام كما يحلو لها ، وبصورة عفوية تتفاعل مع الحماس وتستجيب لطوارئ الأحداث في مناطقها.

    وكذلك رغم أن هنالك الآن كيانات ثورية أخرى نشأت ولها نشاط ثوري مواز ، علي سبيل المثال :الكيان الذي نشأ تحت مسمى (إئتلاف شباب الثورة) .
    وبالتأكيد مع ازدياد زخم الحراك.. ستنشأ المزيد من الكيانات الثورية في المدن والأقاليم ، وهذا أمر طبيعي في كل الثورات..وعلى البعض أن لا يتخوف منه ويسارع باتهامه بمحاولة شق صف الثوار (فالشارع يا جماعة يسع الجميع)، وليس بوسع أي كيان أو تنظيم احتكار الشارع.. طالما توحدت الأهداف والقلوب والحناجر في سبيل إزالة هذه الطغمة الجاثمة على نفوسنا.

    فلذلك يجب الحذر ثم الحذر ..من مهاجمة بعضنا البعض الآن.
    فالوقت ليس وقتا للخلافات والصراعات والانشاقات والنقد السلبي .
    الشارع يسع الجميع.. و(الحشاش يملا شبكته) ..
    وللذين يتخوفون من أن البعض قد بدأ يعبد عجلا ذهبيا يسمى بتجمع المهنيين ..ولا يقبل فيه النقد.
    ويخشون تأليهه وتنزيه قادته ، نقول لهم ليس هذا وقت النقد خاصة السلبي منه والذي قد يفت من عضد الحراك ويفتر همة الثوار ويغرقنا في خلافات وصراعات ونحن لم ننجز أهدافنا بعد.
    بل النقد في هذه المرحلة قد يتلقفه المتربصون.. ويصبون عليه مزيد من زيت الخلافات وإزكاء نيرانها كي يفشلون الثورة ويئدونها في مهدها.
    فحذارى أن تمنحوهم هذه الفرصة الذهبية التي يبحثون عنها بيأس.. فتأتوا وتهبونها لهم على طبق من ذهب !

    ثم أن عديد من المدنيين غير المنضوين في تنظيمات سياسية ولا خبرة سياسية لديهم.. أكثر ما نفرهم من تنظيمات المعارضة هو هذا الجدال والخلاف والصراعات حول أمور تهم كيانات المعارضة ولا تهم إنسان الشارع الذي لا علاقة له بالسياسة بل لا يحب سيرتها.

    فلذلك ، دعونا نتحد الآن ، وكل مجموعة منا تعمل حسب رؤيتها ولكن ليكن الهم الأكبر التوحد صوب الهدف الذي نتفق عليه جميعا حتى لو كان اتفاق في الحد الأدنى.
    وثم بعد أن ننجز ثورتنا حينها.. لكل حادث حديث.
    وسنحرص على أن نحرس منجزاتنا وتضحيات شبابنا وشاباتنا وشيبنا من كل عجل ذهبي .
    فما ضر الثورات التي حدثت عندنا وفي الدول المجاورة وأجهضها ..سوى عبادة العجول الذهبية التي لها خوار.
    و
    أنا شخصيا الشعب يمثلني.. وحيثما مال الشعب أميل.
    وآخر كلامي هو..
    #تسقط_بس

    آمنة أحمد مختار أيرا
    18 Jan 2019