الصفحات

الأحد، 30 ديسمبر 2018

كلمة لابد منها :


الشعب الخرج وحا يخرج دا.. أزعم أن فئة مقدرة منه  كفرت من زمان بالعديد من الأحزاب والتنظيمات  السياسية المعارضة .
 وهذا الأمر لم ينبع من فراغ بالطبع.. بل له أسبابه التي تراها الجماهير وجيهة  
  .. ولكن بالطبع ليس هذا أوان النقد ومحاولة دراسة الأسباب أو مناقشتها . 
رغم أن العديد من المنظمين والمنضوين حزبيا قد يدركون هذه الأسباب بل يتفقون معها. 
هنالك نوع من فقدان الثقة في الأحزاب السياسية حكومية كانت أم معارضة. 
هذا أمر ملموس في الشارع.. بل أزعم أنه كان من ضمن الأسباب التي أخرت حراك الشارع أو أوهنت عزم الهبات الجماهيرية السابقة. 

 لكل هذا وذاك ، لا أظن أن من الحكمة حاليا التسرع في إنشاء وتكوين أجسام تضم أحزابا وتنظيمات (سياسية) تدعي قيادة الهبة الجماهيرية العفوية الحالية. تحت أي مسمى. 

لذلك لا أتفق (في المرحلة الحالية) مع أي دعوة لتنظيم قيادي للحراك، بما فيها دعوة يمكن أن تصدر من تنظيمات أنا عضوة أو قيادية فيها مثل حزب الخضر السوداني وكذلك حملة سودان المستقبل. 
ولذلك أتفق مع رؤية هذين التنظيمين ( حزب الخضر السوداني ، وحملة سودان المستقبل) في دعمهما لمسيرة #تجمع المهنيين السودانيين ودعم مسيرات الأجسام غير الحزبية ودعم الحراك الجماهيري عبر العمل معه والمشاركة من خلاله دون محاولة فرض أو اقتراح قيادة له في الوقت الحالي. 
ففي الوقت الحالي.. الواقع يقول أن القائد هو الشعب ..كما هو من المفترض أن يكون دائما وأبدا..
وفي الديمقراطيات الشعب ينتخب قياداته.. لا تفرض عليه ولا تقترح عليه بحجة (تنظيم الثورة ، أو تنسيق الثورة..أو أي من الحجج التي ربما يكون هدفها نبيلا لا يتعمد الكسب السياسي.. أو قد لا يكون.. ) .
كسياسيبن، أعتقد أنه في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ أمتنا..
يجب أن نحاول أن نفكر كيف نستعيد ثقة الشعب في السياسة وممارسيها .. وأن يكون من أكبر همومنا أن نثبت أن السياسة ليست بلعبة قذرة كما يشاع أو كما يظن حتى بعض ممارسيها بأنها فن الممكن..أو غيره من تعابير تكرس لوصم السياسة بالوصولية والطابع الميكافيلي(الغاية تبرر الوسيلة)  .

كخضر سودانيين، نؤمن بمبادئ حركة الخضر العالمية التي تدعو وتعمل من أجل ممارسة سياسية نظيفة ..لا ندعي بأننا ملائكة لا نسعى للكسب السياسي ولا نؤيد التنافس السياسي ، ولكن فقط لنا وسائلنا التي تجعلنا نتحرى الخيط الدقيق الذي يفصل بين السياسة النظيفة - وبين التكسب السياسي. 
لذلك من المفترض أن نكون مهمومون بمحاولة كسب ثقة الشعب.. 
أكتر من همنا بثقة الأحزاب والتنظيمات الأخرى فينا. 

ورغم أن التنافس السياسي أمر مشروع ، وكذلك خروج أي تنظيم مع الحراك والدعوة له.  
ولكن اللعبة السياسية في السودان عودتنا على هوس البعض بمحاولات الكسب السياسي والتسلق على تضحيات الجماهير. 

انا هنا لا أتهم أحدا ، ولكن فقط أدعو للتأمل في هذه الحالة.. وأن نحاول أن نكون أكثر نزاهة في التعامل مع الهبات الجماهيرية. 
فلندع الشعب يقودنا هذه المرة. 
لا أن يكون كل همنا أن نتبوأ لأنفسنا مكانا في صف القيادة.

آمنة مختار 

#موكب_31_ديسمبر
مسيرة تجمع المهنيين السودانيين

القصاص، أحلال عليكم حرام علينا..



برز القاتل عمر البشير وهو يخاطب قيادات الشرطة السودانية ، ويدعوها لقتل المواطنين المحتجون على الظلم والغلاء وحكمه الفاقد للشرعية منذ طلقة البداية..

ذكرني خطابه البهلواني المخادع هذا.. بالقصيدة التي درست لنا في المرحلة الابتدائية ، لتحذرنا من الخداع والمخادعين.. الذين يتلبسون مسوح الدين والتقوى كي يلتهموننا أحياء ويهدروا حقوقنا :


بـــرز الـثـعــلـب يــومـــا                     في ثيـاب الــواعظينا

فمـشي في الأرض يهدي                    ويـسـب الـــمـاكـريـنا

ويـقـــول : الـحـمــــد لله                     إلــــــــــــه الـعـالمينا

يـــا عــبــاد الله تــوبـوا                      فهــو كهـف الـتائبينا

وازهدوا في الـطـيـر إن                    العيش عيش الزاهدينا

واطــلـبـوا الـديـك يؤذن                     لــصـلاة الـصبـح فينا

فــآتـي الـديــك رســول                     مـن إمــام الــنـاسـكينا

فــــأجـــاب الديك عذرا                     يــا أضـل الـمهـتـديـنا!

بـــلــغ الـثـعــلـب عني                    عـن جدودي الـصالحينا

أنــهــم قـــالـوا وخـيــر                    الــقــول قـول العارفينا

مخطئ مــن ظـن يومـا                    أن لــلثعــــلـب دينـــــــا


فهل يجهل رجال الشرطة معنى القصاص في الإسلام ؟!

ألم تكن هذه من أبجديات الدين الإسلامي التي تعلمناها منذ نعومة أظافرنا ؟

خرج علينا البشير بأسلوبه (البهلواني) الذي تعودناه منه ومن عصبته منذ أن استولوا على بلادنا.. خرج علينا مشرعا ومبررا لقتل المواطن المحتج على الغلاء والجوع والحروب وكل صنوف المعاناة..  بفتوى جديدة (لنج) مستخدما آية القصاص في غير موضعها  ..بأن على المواطن أن يصبر ويتحمل المعاناة وإلا فأنه سيقتل بدعوى الحفاظ على الأمن ومنعا للتخريب!! 

ولا أدري حقيقة عن أي أمن يتحدث هذا الرجل الذي نشبت في عهده حروب في عديد من جهات الوطن ، وأهدرت في عهده ملايين من أرواح الرجال والنساء والأطفال ، حتى صار قاتلا شهيرا 

مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية !!

ولكن ألم يتعود هذا الرجل وعصبته من الدجالين على الجرأة في استخدام آيات القرآن والأحاديث النبوية كما يحلو لهم وفي كل موقف حرج يجدون أنفسهم فيه كي يبرروا ربما لأنفسهم أولا ثم للشعب.. في أن لهم الحق أن يفعلوا كل ما يحلو لهم من قتل وفساد في الأرض ونهب وسلب وترويع للآمنين ؟

فهل يظنون أن المسلمين من هذا الشعب يجهلون دينهم إلى هذه الدرجة ؟!!

* قال تعالى :{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ 

تَتَّقُونَ}.. [البقرة : 179]

وتفسير القصاص هنا كما هو واضح في الآية وكل آيات القصاص في القرآن الكريم.. الغرض منه الاقتصاص من القاتل ضد المقتول ومن الظالم ضد المظلوم كي تسود العدالة وتصان الحيوات ، وهذا في حال لم يقبل أهل القتيل بالدية. 

فالهدف من القصاص ليس القتل لمجرد القتل.. والإنتقام لمجرد الإنتقام وإلا لما شرعت الدية ، بل الهدف هو حقن الدماء ومنع أن أن يقتص أهل القتيل من القاتل أو أهله ومن ثم تسود لغة الثأر والإنتقام المتبادل بين الفريقين وتهدر حيوات بريئة جراء ذلك. 

  لذلك فأن معنى ( لكم في القصاص حياة) هو الدعوة لحفظ  حياة الأحياء عندما يرفض أهل القتيل الدية ويطالبون بالثأر.. وإتقاء نشوب حرب بين أهل القاتل والمقتول تهدر فيها مزيد من الأرواح. 

لذلك كان القصاص هنا حياة.  

  

لذا ، فما علاقة هذه الآية بالوضع الذي نحن فيه الآن ؟

وما هو وضع عمر البشير كقاتل مطالب للعدالة الدولية ؟

وكقاتل ومجرم مطالب للعدالة الشعبية من قبل شعب كامل يخرج الآن كي يطالب بأن يخضع القاتل ومن معه من بقية القتلة  للقصاص حسب شرع الله الذي يزعم البشير وعصبته أنهم أتو كي 

يحكموه فينا.. 

فحسب آيات القصاص في القرآن ،على القتلة والمفسدين في الأرض أن يخضعوا للعدالة والقصاص. 

أن يخضعوا للقصاص مهما كان مقامهم اليوم ومهما كانت مكانتهم. 

فلو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها. 

هكذا علمنا رسولنا الكريم (صلعم)  معنى العدالة ومعنى القصاص. 

أن لا انتقاء فيه ولا عصمة لمن يظنون في أنفسهم عصمة تنجيهم من العقاب.. وكي لا يعم الثأر وأخذ الحق باليد والفوضى. 


فما بال قوم إذا سرق فيهم الضعيف نكلوا به.. وادعوا أنهم يحكمون فيه القصاص وشرع الله .. 

ولكن إذا سرق فيهم (زولهم) (حللوا له سرقته بما يسمى بالتحلل) ؟!!


حان أوان القصاص يا عمر البشير.. 

الشعب يريد الاقتصاص منك ومن عصبتك. 

لقد راهنت على صبر الشعب كثيرا 

والآن قد فاض الكيل.


وآيات القصاص هذه التي تتشدق بها.. هل حقا تعيها عندما تقرأها ؟! ..هل تعرف معناها.. ألا تخشاها ؟

فلو كنت تعرف لطبقتها على نفسك قبل تهديد الأبرياء بها.  


لاشك بأنك مدرك لقرب النهاية.. 

وحقا لا أدري كيف تنام.. 

هذا لو كنت قادر على النوم أصلا. 


آمنة أحمد مختار إيرا 

30 Dec 2018

الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

الحرية كغريزة أساسية

    * الإنسان ككائن إجتماعي :
    رغم أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه الغريزي الذي جبل عليه ، ولا يختار الوحدة أو الانعزال عن قطيعه البشري إلا برغبته ومزاجه، أو حين يفرض عليه مجتمعته أو محيطه أوحاضنته الاجتماعية نمطا في الحياة لا يناسبه .
    فإن توق الإنسان إلى الحرية.. والعيش حرا حسب نمط حياة يناسبه ، يكاد أن يكون كذلك غريزة أساسية جبل عليها كما جبل على غريزة العيش ضمن مجتمع بشري.
    فمهوم الحرية هنا مفترض أن لا يتناقض مع مفهوم العيش ضمن القطيع البشري المعين ،أو الحاضنة الاجتماعية، أو العرقية ، وكذلك وحداتها الأصغر كالعائلة الممتدة ثم العائلة الصغرى أو الأسرة.
    هذا ما كان عن وضع الإنسان ضمن الوحدة الاجتماعية.

    وكذلك هنالك وحدات اجتماعية وسياسية وثقافية أخرى قد ينضم إليها الإنسان بمحض خياره ، وهي تلك المجموعات المنظمة التي تناسب ميوله وأنشطته الإنسانية المختلفة.

    * الإنسان كفرد ضمن دولة :
    ورغم أننا كبشر خلقنا فرادى ، وكذلك داخل منظومة إجتماعية ، وكذلك توجد هذه المنظومات الإجتماعية في كيانات أكبر تسمى الدول، لهذه الكيانات حدود جغرافية وتاريخ مشترك .
    هنا نشأت الحاجة التاريخية لتظيم هذه العلاقة الدقيقة بين الإنسان كفرد.. وبين مجتمعه ودولته.
    فسنت الدساتير والإنظمة الإجتماعية والقوانين.
    والغرض المفترض من هذه الدساتير والقوانين هو تنظيم وتقنين صيغة تعايش مشترك بين الحواضن الاجتماعية العديدة ، وكذلك وحداتها الأصغر ومن ثم أفرادها ضمن وطن يكون هو الحاضن الكبير لهذه المجتمعات العديدة التي تعيش داخل الدولة ومكونة لها شعبها ومنها تستقي صفتها القومية بين الأمم ، فيما يعرف بالهوية القومية.
    وبالتالي تعتبر هذه الدساتير والقوانين المنظمة للحياة العامة بمثابة عقد بين الدولة والمواطن.
    تكون مهماتها الأساسية توفير الحماية للدولة وشعبها وكذلك حماية الحقوق الأساسية للمواطن وتوفير سبل العيش الكريم والحفاظ على الموارد وتنميتها بحيث توفر الرفاهية للشعب . وذلك بتكوين مؤسسات لهذا الغرض، سواء كانت أجهزة تنفيذية وتشريعية وقضائية ، تأتمر لها مؤسسات حماية الوطن والشعب (جيش ، شرطة ،استخبارات) .
    وبالمقابل يقوم المواطن بدوره في العمل والتعليم والتعلم والإبداع و دعم عجلة الإنتاج والمساهمة في حماية الوطن من العدوان الخارجي .

    إذن، فطالما نظم مجموع من البشر أنفسهم داخل حدود جغرافية محددة في منعطف تاريخي ما ..وكونوا لهم دولة ذات سيادة ، وجهاز حكومي يحكمهم .
    فهم هنا قد ارتضوا أن يتنازلوا عن جزء من حريتهم الفردية والعشائرية ..مقابل الحماية والأمان والعدل والرفاهية الجماعية .
    فإذا اختل أي من هذه الموازين.. فسيكون هذا بمثابة نقض إتفاق تبادلي.. وستنشأ المشاكل حينها وينفرط عقد الأمن وتنتهك الحقوق وربما تنشب الحروب الداخلية الأهلية.

    * الفرق بين مصطلحات (وطن، دولة، حكومة ) :
    الدولة هي الوطن ، ذاك الموجود على حيز جغرافي ما.. ويضم ترابا يمتلكه شعب ما..ورثه عن أسلافه ويعتبره أرضه التي يعيش عليها ويعتاش من خيراتها وينتج فيها ويعمل فيها لخيره ولخير مجتمعه .
    فدعوني أشبهها بالبيت الصغير الذي يحتضن ويؤي أسرة ما..
    والأسرة هي الشعب.

    أما الحكومة أو السلطة ، فهي المنظمة لعلاقات السكان بينهم وبين بعضهم.. وبينهم وبين الدولة ، محتكمة في ذلك بالنظام القانوني المختار والمتفق عليه (الدستور) .وهي المكلفة بحماية الدولة من الأخطار الخارجية وكذلك معالجة الأخطار الداخلية عبر أجهزة الدولة التنفيذية والقانونية ، ومكلفة كذلك بتدبير وتوفير ورعاية الموارد وحماية السكان وحفظ حقوقهم وصيانتها من الانتهاكات.

    * متى يتغول المجتمع على حرية الفرد ؟
    كما سبق وذكرت أن الإنسان كائن إجتماعي بطبعه. وهذا أمر ربما لاحظه الجميع حتى قبل الفلاسفة.
    ولكن، يحدث أحيانا.. وربما كثيرا.. أن يضطر الفرد للتخلي عن حريته الفردية بحجة أن هذا الأمر في صالح الجماعة.
    ولو إعترض الفرد دفاعا عن حريته في اختيار أمر مخالف للمجموعة.. ربما يتعرض للنبذ وربما الطرد..بل والعقاب والقتل أحيانا.

    * متى تتعدى الدولة على حرية بعض المجموعات الاجتماعية المكونة لها ؟
    قد تتعدى سلطة من السلطات محتكمة في ذلك بسيطرتها على مفاصل الدولة وأجهزتها.. قد تتعدى على حرية مجموعة من المجموعات المكونة للدولة ، وتحاول قولبتها قسرا ضمن السياق العام الذي يطبع الدولة بطابعه ويصمها بهويته.. سواء أكان هذا الطابع العام آيدلوجيا أم ثقافيا أو دينيا أو عرقيا.
    وقد تنشب حرب أهلية جراء ذلك.

    * متى تتعدى الدولة على حرية الشعب ككل ؟
    يحدث كثيرا كما شهدنا ونشهد حولنا وفي بلدنا.. أن تستولى سلطة ما على مفاصل الدولة وأجهزتها ، وتقوم بتغيير النظام الدستوري الذي يحكم الدولة وتغير القوانين بما يناسب أيدلوجيتها ، وتمارس قمعا ممنهجا ضد غالبية الشعب.. وتحاول أن تفرض عليه رؤاها قسرا ، وتحاول قولبة الشعب بأجمعه في قالبها الخاص الذي يلاقي مقاومة من الجماهير المكونة للدولة.
    ويكون مصير كل مخالف إما القتل أو النفي أو الهجرة أو التنكيل والتعذيب وثم التشريد من العمل والتجويع والحرمان من موارد الدولة التي تصير في يد العصبة الحاكمة.
    فحينها تنعدم الحريات وينفرط عقد الدولة والأمن ويتدهور الإنتاج وتهدر الموارد ويضيع مستقبل أجيال.
    وهنا، تكون هذه السلطة أو الحكومة قد خالفت كل العقود والمواثيق بينها وبين الشعب الذي حكمته.
    هذا، رغم دروس التاريخ التي ما تفتأ تعيد نفسها كل يوم من حولنا ، كأنها تريد تذكيرنا بأن أي سلطة حاكمة تنتهك عهدها مع الشعب.. أو تستولي على مقاديره بالقوة والبطش.. فمصيرها إلى زوال طال الزمن أم قصر.

    فالجوع إلى الحرية والكرامة.. جوع غريزي في الإنسان وجبلة جبلته عليها الطبيعة.
    فالإنسان كما لن يصبر على العطش وجوع الطعام.. فكذلك لن يصبر على جوع (الحرية)
    فالحرية كذلك.. غريزة أساسية.

    26 Dec 2018

الأحد، 23 ديسمبر 2018

ما بين (فاتيات السياسة)..و(حفرة الدخان) و (البوخة) ..!!

ما بين (فاتيات السياسة)..و(حفرة الدخان) و (البوخة) ..!!

آمنة أحمد مختار أيرا




لا أدري ما الذي لم يجب.. أو وجب علي المرأة السودانية أن تفعله.. وقصرت فيه.. أو تهاونت فيه ولم تفعله..!!
سواء كان واجبات أسرية أو وطنية وقومية مصيرية في سبيل هذه الأمة ، منذ عهد الملكات الكنداكات أماني شيختو وريناس اللواتي هزمن الرومان ... إلى عهد كنداكات الشاي وشرقرق القهوة وقرقريبة الكسرة اللواتي هزمن (الكيزان) ؟!!
فلا زال البعض من أشقائنا يصر على حصرنا في خانة أدني ، ويمارس ضدنا تمييزا نوعيا سالبا.. كنت أظن أنه قد عفى عليه الدهر..
أو على الأقل ، عفى عليه الدهر في وعي من هم في معسكرنا.. أو من المفترض أن يكونوا في معسكرنا الناشد والعامل للتغيير الإيجابي..
التغيير صوب مفاهيم وواقع أكثر أنسنة.. وترحابا وتفهما لكل الأنواع البشرية..في سعيها الحثيث نحو قيم إنسانية تتحرى النبل في رسالة سامية لتجميل قبح واقعنا المعاش الذي أزعم أنه ليس مكتوب علينا.. بل المكتوب علينا والمقدر لنا لهو أكثر سموا وأرفع قدرا وأضمن خيرا لنا ولأجيالنا القادمة.
والشارع ثار..

وطالما الشارع ثار.. وثار وسيثور.. كما فعل ويفعل دوما في كل منعطف تاريخي جبار..
دعوني أثور ثورتي .
شئتم أم أبيتم لا أبالي.
فأنا أنتمي لجيل أرضعته رائدات للثورة..أرضعتهن رائدات ثوريات.. وأعاصر جيل رائدات ثوريات.. أنجبن ويربين جيل رائدات ثوريات أخريات ورواد ثوريين.. . وسيليهم جيل ثم جيل ثم جيل..

والشارع ثار.. وسيثور ويثور ويثور..
فهكذا هي الأيام.. وهذا شأنها..
فكلما أبلي منها ثوب رتقته.. وإن استعصى على الرتق زبلته.. ثم خاطت ثوب جديد.

ثم، ما بال بعض الذين كن نظن أنهم في معسكرنا الثوري هذا.. لا يفتأون يصرون على غمزنا ولمزنا من قناة التمييز النوعي.. في إشارات سالبة تمس بعض أدوارنا في هذه الحياة..؟!
ظنا منهم بأنها ممارسات تخص نوع إنساني أقل قيمة وقدرا ؟!

فمثلا ، ما بالهم يصفون بعض الممارسات التي يريدون نقدها نقدا سالبا أو يريدون الحط منها .. بممارسات تخص نوعنا البشري كإناث ..أو ألحقوها بمحض إفتراء بنون النسوة أو تاء التأنيث ؟!!

لطالما حيرني هذا الأمر..
وكتبت عنه سابقا في مقال يتناول( توقعات الدور) كمفهوم نفسي إجتماعي.
ذاك المقال.. وهذا المقال أيضا ، يجعلانني أتذكر أستاذ لي في المرحلة الثانوية العليا ، توفي للأسف.. قبل أيام قلائل من هذا الحراك الأخير.
أستاذي هذا رحمه الله ، كنت من ضمن الذين تمنيت أن يشهدوا معنا هذا الحراك المبارك وهذه الهبة الشعبية الميمونة التي سأعمل أنا وغيري من الناشدين للتغيير أن تصل إلى مراميها.
أستاذي هذا رحمه الله ، كان ثوريا ، ويعتبر نفسه تقدمي ناشد للتغيير الإيجابي. ولكنه كان أول من تسبب بإيقافي عن الدراسة خمسة عشر يوما في حادثة لم تحدث لي منذ أن ألحقني أهلي بالدراسة النظامية . والسبب كان أنني استغربت وتساءلت تساؤلا مشروع في نظري كان ولا يزال : لماذا تحتقرنا وتعاملنا هكذا يا أستاذ (فلان)..هل لأننا بنات ؟!!
رحم الله أستاذي هذا ، فلم يك أول أستاذ لي يخيب أملي.. ويصيب ثقتي في حكمته ورؤاه في مقتل..!

غفرت له لاحقا .. بعد لأي.. وبعد أن أخذت بي السنون وحادثاتها كل مأخذ..وبعد أن تعلمت فضيلتي الغفران والتفهم.
ولكني، رغم تعلمي فضيلتي الغفران والتفهم..فلا زلت أتمسك بفضيلتي النقد والمراجعة.
فليس كل ما يفعل ويقال من بني البشر بمعزل عن النقد والمراجعة ، مهما كان مقام الذي ننتقده ونراجعه.
ثم، فما بال القوم كل ما اشتجروا أو اختلفوا في أمر ، وصف فيهم الآخر بتوصيفات على شكل ( عاهرة سياسية) ،(فاتية سياسة) ، أو استدعاء طقوس يمارسها نوع النساء مثل الزينة النسائية ك(حفرة الدخان ومستلزماتها وبوخاتها وطقوسها) ؟!!
لماذا يصر البعض عند النقد أو التبخيس أن يستدعي طقوس تخص نوع النساء.. أو يستعمل تاء التأنيث ونون النسوة للتبخيس من قدر الآخر المنتقد ؟!
حقيقة، لا أدري ما الذي لم يجب أن تفعله النساء ، أو وجب على المرأة السودانية أن تفعله كي تثبت جدارتها ولم تفعله!!
قولوا لي ، فلربما كان هنالك أمر فاتني ولم أنتبه إليه..!!
لا أريد أن أذكر أسماء بعينها.. رغم قدرتي ، ولكن بالله عليكم كفى.. ويكفي.
فمفراك الحبوبات.. قابع هناك.. بمحازاة يمناي.
والشارع ثار..
هبة ميمونة ومباركة وواصلة إلى غاياتها الإنسانية بعون الصانع وما أودعه فينا من قدرات.
اللهم آمين.

آمنة أحمد مختار أيرا
hopenona@yahoo.com

الخميس، 22 نوفمبر 2018

رسومات وشخبطات من مفكرة الطفولة











صالة فى الجنة

صالة فى الجنة

الناي الشادي يعربد بي
ترقصني أنغامه واسكر
*
وأراقص ذات الخدين الوردية..
تترنح بي ..تتمايل طربا
ذات الشفتين المعطونة سكر

تترنح بي ..تتمايل طربا
ترش الدنيا بالياسمين وبالعنبر
وأهز على شجر الجنة يسقط لي
زهرات السندس والياقوت والمرمر

وتداعب صدري حلمات اللؤلؤ
خلف الأسوار وبالبللور تدثر

وتميس المهر على وهن
تمزق قلبي ..وهناك دموع تتطفر
وتلامس أطرافي العطشى يديها
أنكمش حينا ..وحينا أتعثر
*
وتفاجئني أجراس الساعة
إيذانا بأن الوقت تأخر

فأرد إلى أهلي مخبولا
من ما فى الجنة من منظر

وأبيت على حالى هيمانا
أبكي ما قد فات .. وأتحسر

*
أحمد مختار أيرا
( ذات ليلة رأس سنة )

##########

ربما

سألونى ماذا أقول :
هل هو شعر ؟
قلت : لما تسألوني ؟
فأنا أعجمي لا أعرف قافا ..
ولا أكتب ألفا
إتركوني وحالي..
فلست بن الملوح..
ولم أك طرفة

*
فللشعر رواد وأساطين
ليسوا كمثلى ..
فبينهم وبين القريض
أواصر وإلفة

رباه !!
أتراني قلت لهم
شعرا مقفى ؟!

أحمد مختار أيرا

الخميس، 15 نوفمبر 2018

أصاب د. الباقر العفيف.. ولكنه أخطأ من حيث أصاب



كتب د. الباقر العفيف مقالا جميلا بأسلوب متندر ورشيق كعادته ، يمهد فيه لمعرفة الذات عبر الكشوفات العلمية الجينية الحديثة ، وما أتاحه لنا علم الجينات من تسهيل سبل معرفة الخارطة الجينية للإنسان وبالتالي الأصول التي ينحدر منها .
ويأتي هذا الأمر في سياق ظاهرة بدأت تنتشر حول الأوساط السودانية في الداخل والخارج من المهتمين بالتاريخ والأنثربولوجي.. وكذلك الهواه.
وهي ظاهرة محمودة بالطبع.. تصب في ذات المسعى الإنساني الخالد الذي يجعلنا نتحرق شغفا لمعرفة أصولنا التائهة القديمة ومعرفة أسلافنا الحقيقيين في خضم صراعات وجدل الهوية المحتدم ، وفي وقت تنبه فيه الكثيرون وعلموا حقيقة الظروف التاريخية التي صنعت فيها معظم أشجار النسب المزعومة .
ويأتي مقاله هذا كنوع من الرد على ما يبدو على الذين سخروا من مقاله القديم المعبر عن حالنا كأمة تائهة عن أصولها أصدق تعبير ، والمعنون ب(متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء) ..
وقد عنون مقاله القنبلة الجديد بعنوان جذاب متفكه وساخر :
( وأخيرا قطعت جُهَيَزَة قول كل خطيب )
( وداعا جَدِّي المنتحل (العبّاس) )
وأهم مافي هذا المقال القنبلة ، هو نتيجة الفحص الجيني للكاتب نفسه . فإلي جزء من المقال :
( فماذا كانت نتيجة فحص الحمض النووي؟ تهيأوا أيها القريشاب والشارباب لخبر جهيزة الخواجية، وأصيخوا السمع:
أنتم أحباش كوشيون نوبيون شرق أفريقيون ولستم عربا أيها الجعلتية.. 
فماذا أنتم قائلون؟
أتصوركم تقولون :" بالله قوم كده بلا جينوم بلا كلام فارغ! حرَّم عباسيين ولو كره "الكافرون" بأشجار الأنساب... عباسيون غصبا عنك وعن علوم الخواجات "الكضابة". أليس كذلك؟
الآن دعونا نفحص النتيجة:
إن نسبة جيناتي المنتمية لأفريقيا جنوب الصحراء هي ٩٧.٩ ٪ وهذه منها ٩٦.٨٪ تنتمي لشرق أفريقيا. وبالطبع نعرف أن هناك تداخل كبير بين ممالك النوبة القديمة مثل كوش ومروي وممالك الحبشة القديمة مثل بنط وأكسوم. فنحن في الحقيقة شعب واحد من الناحية الجينية ولكن تعددت لغاتنا وأدياننا. أما بقية الجينات المتبقية العالقة بشجرتي النوبية فتبلغ ٢.١٪. وهذه متوزعة بين ثمانية أقسام تفصيلها كالآتي:
جينات تنتمي لغرب أفريقيا نسبتها ٢.٪ (أي صفر فاصل إثنين في المائة). وجينات تنتمي للمجموعات الأفريقية التي تعتمد على الصيد والجمع (زي الأقزام Pygmies) بنسبة ١.٪ (أي صفر فاصل  واحد في المائة) . وجينات تنتمي للمجموعات الأفريقية التي تقطن جنوب الصحراء بشكل عام بنسبة ٧.٪ (صفر فاصل سبعة في المائة). وجينات تنتمي لغرب آسيا وشمال أفريقيا بنسبة ١.١٪ (واحد فاصل واحد في المائة). وجينات تنتمي لشمال أفريقيا والجزيرة العربية بنسبة ١.١٪ (واحد فاصل واحد في المائة). وجينات أوروبية محددة بنسبة ٢.٪ (صفر فاصل إثنين في المائة). وجينات أوروبية بصفة عامة بنسبة ٢.٪ (صفر فاصل إثنين في المائة). وجينات غير مصنفة بعد بنسبة ٨.٪ (صفر فاصل ثمانية في المائة). 
ويبدو أن جهيزة الخواجية أرادت أن تعوضني عن خسارتي للعباس بإخباري أني والزعيم الخالد نيلسون مانديللا تحدرنا من جد واحد. وأن هذا الجد المشترك عاش قبل ١٤٠ ألف سنة. ربما كان هذا أبونا آدم. 
وهكذا يضع العلم حدا للأسطورة. ويثبت فرضيتي التي تناوشتها السهام العروبية الصدئة. وكشأننا في سوء الظن بكل شيء حتى العلم، فَهِمَ البعض أن في قولي هذا تقليل من شأن العرب والعروبة، وإعلاء من شأن الأفارقة والأفريقانية، في حين أنني أؤمن إيمانا راسخا لا يتطرق إليه الشك أن الناس كلهم سواء لا يتفاضلون إلا بالقيمة والنبل والأخلاق. إنني أدعو فقط أن نكون "نِحْنَ يانا نِحْنَ.. ما غيرتنا ظروف ولا هدتنا محنة". أي أن نكون كما خلقنا الله، وألا نحاول تبديل خلقه، وانتحال خلق آخر غيرنا.. وألا نقيس أنفسنا بمعيار خارجنا، وأن نكون ممتنين كوننا أصلاء في هذه الأرض التي يباركها النيل سليل الفراديس.. وأن نستعيد آباءنا النوبيين رواد الحضارة الإنسانية.. وأن نبعثهم من مرقدهم الذي حجرنا عليهم فيه.. وأن ننفض عنهم تراب القرون، ونعتذر لهم ونكرمهم ونفخر بهم.. وأن نرعى إرثهم الذي أورثونا لأنه ميراثنا أبا عن جد. فإهمالنا للتاريخ والآثار النوبية والكنوز المعرفية التي تركوها لنا إنما هو ناتج عن نكراننا لأصولنا.. عن نكراننا لهم.. عن قتلنا الرمزي لهم، واتخاذنا أبا بديلا عنهم. ومن هذا الأب البديل نتجت كل آفاتنا وعقد نقصنا إزاء العرب وتذللنا لهم.. ).
إنتهى الاقتباس.
وقد أصاب طبعا في بحثه عن أصوله الجينية ليثبت لجميع السودانيين ولأفراد قبيلتيه خاصة.. أوهام أشجار النسب الموضوعة.. وخزعبلات إدعاء العروبة الخالصة لقبائل بعينها ، ولكي يثبت بالعلم خرافة النقاء العرقي في بلد متنوع الأعراق كالسودان.
والآن سأوضح أين أخطأ بدون قصد غالبا وبنية سليمة.
أخطأ في أمرين أولهما :
البجا
ففي غمرة فرحته بنسبة ال 96 في المائة من جيناته التي تنتمي لشرق أفريقيا.. نجده قفز قفزا بالزانة من النوبة على النيل ( وطوااااالي).. تجاه الحبشة وبلاد بونت !!  .. ناسيا ولن أقول متجاهلا قومية أعرق وجودا على شرق النيل من النوبيين ومن أكسوم وبلاد بونت التي كانت في منطقة الصومال الحالية.
قومية البجا العريقة التي تمتد في ثلاث دول وربما أكثر .. تجاهلها الكاتب تماما كأنها غير موجودة!!
أو كأنها تنتمي للواق الواق ..رغم أدوارها التاريخية المذهلة في شمال وادي النيل وجنوبه على مر التاريخ .
نعم البجا.. الذين عادة يتجاهلهم السوادنيون عندما يتكلمون عن التاريخ.  ولكن هذا خطأ المناهج التعليمية السودانية في الأساس وكذلك أجهزة الإعلام ، هاتين المؤسستين اللتين تطفحان جهلا بالتاريخ السوداني الحقيقي وتاريخ وادي النيل عموما.
فإسهام البجا في حضارة وادي النيل قد يفوق إسهام من ذكروا هنا من نوباي ونوباد وأحباش وصومال.
فلماذا يتجاهل تاريخهم نخبنا ؟! هل لأنهم يرونهم حفنة من البدو لا يمكن أن يكون لهم أي نوع من أنواع الاسهام الحضاري ؟!
راجعوا بعض الوثائق التاريخية التي تجدونها متاحة عبر محركات البحث ..تحت أسم المجاي Medjay ، المحاربون البجا القدماء في كمت ( مصر القديمة)  وبعض ملوكهم الذين طردوا الهكسوس كالملك سقنن رع وولديه كاموس وأحمس.
وراجعوا كذلك حروب البجا البلميين ضد الرومان لاستعادة حق الحج الي معبد ربتهم إيزيس في جزيرة فيلة في مدينة ألفنتين ( أسوان الحالية) ، ولاستعادة أراضيهم في كمت (مصر)  التي كانت تبلغ حتى طيبة/الأقصر ، وحتى اليوم بوسعكم زيارة مدافنهم فيها.
هذه الحروب التي كانت مستمرة وسجال لدرجة أجبر البجا الرومان على دفع جزية. فقد كانوا سادة النيل في تلك الفترة وتصدوا للرومان بكل قوة .
فلم يجد الرومان بدا من تحالفهم مع النوباد البرابرة الذين أحضروهم من الواحات الغربية ليكونوا فاصلا بين الرومان والبجا ( راجعوا نقش الملك سلكو النوبادي ) لتعرفوا متى دخل النوباد اراضي البجا في الشمال ، حيث كان ملوك البلميين البجا من آخر ما تبقى من ملامح مملكة مروي الكوشية.
وبالمناسبة كان آخر من نقش وكتب بالمروية هم الملوك البجا البلميين. 
وقد حارب البجا كذلك الأكسوميين في عدة معارك كر وفر ، وفي النهاية هزم البجا مملكة أكسوم في القرن الثاني الهجري / القرن الثامن الميلادي، ثم حكم البجا الحبشة لفترة من الزمن وأنشأوا عاصمة لهم في منطقة سميت بقمدر (بجا مدر)، وتعني أرض البجا ، لا تزال قائمة حتى اليوم. 
كل هذا تجدونه بقليل من البحث.
فلذلك شعب بهذا القدم وهذه المجاهدات العظيمة في حماية حضارات وادي النيل لا يمكن تخطيه أبدا.
فقد حارب البجا كل من غزا مصر ، ابتداءً من ( الهكسوس مرورا بالحثيين والفرس والبطالمة ثم الرومان والمسلمين )ثم ( الترك والانقليز والإيطاليين في السودان وشرق السودان ).
إلى درجة أن زنوبيا ملكة تدمر استنجدت بهم في حربها المجيدة ضد روما وفعلا هبوا لنجدتها وأضعفوا قوة الرومان في مصر رغم هزيمتهم.
كذلك تصديهم للمسلمين لمنعهم من سرقة الذهب من أرض المعدن في وادي العلاقي مع قائدهم الشهير أولباب الذي لقبه العرب بعلي بابا ، ورغم إعجابهم به فقد شوهوا قصته الحقيقية.
وحروبهم مع المسلمين هذه كانت سجالا ولم يخمد أوارها إلا باتفاقية مع زعيم البجة كنون بن عبد العزيز وكانت شبيهة باتفاقية البقط ولكن مختلفة في بند جلب الرقيق وبعض البنود الأخرى.
  دماء كثيرة وأرواح لا تحصى بذلها البجا هذه الحروب التاريخية التي امتدت لآلاف السنين شمالا وشرقا ووسطا وهم يدافعون عن حضارات وادي النيل القديمة وعن السودان.
هذه الدماء إختلطت بدماء معظم السودانيين بالذات المجموعة الجعلية التي تأثرت بثقافة البجا كثيرا.
فكيف يتم تجاهل هذه الدماء قفزا من النوباي إلي الحبشة وبونت مباشرة..
كأن هذه المجموعة السودانية العريقة لم توجد أبدا ؟!!!
الخطأ الثاني :
وهو خطأ شائع كذلك في الإعلام السوداني والمناهج التعليمية القاصرة ، ألا وهو تسمية الحضارة الكوشية وملوكها بالنوبية والنوبيين .
فهذا خطأ تاريخي يقع فيه كثير من غير المتخصصين في التاريخ.
حاول بروف أسامة عبد الرحمن النور رحمه الله.. قبل وفاته تصحيح هذا الخطأ الذي يدرس في المدارس ويبث على أجهزة الإعلام ، حين دفعت الأمانة التاريخية والمنهجية العلمية التي لا يعلى عليها.. بروف أسامة (رغم نوبيته)  أن يكتب ورقة بعنوان :
كوش - النوبة : إشكالية التسمية.
وذلك كي يفك الاشتباك بين المصطلحين .
ونشر ورقته البحثية هذه على موقعه أركماني.
تجدونها متاحة عبر محركات البحث.
آمنة أحمد مختار أيرا
22 May 2018

الأحد، 11 نوفمبر 2018

في فلسفة القوة :

 أن تمتلك السلاح المميت لا يعني بأنك تمتلك القوة .  فالقدرة على الإماتة تعني الفناء ..وليست كالقدرة على الإحياء.
 فالفناء يعني العدم ..والإحيا ء يعني فلسفة البقاء . والبقاء هو القوة الحقيقية التي تحتاج إلى ذكاء ..بقدر ما يحتاج الفناء والإفناء إلى غباء .
.......

* بعض مما تشربته من فلسفة أهلي من أبي ( البجا ) مهداة إلى أهلي من أمي ( الرزيقات ) ، حفظهم الصانع جميعا وصان دماؤهم الغالية ودماء أهل الوطن العملاق بخيره ونعمته التي يجب أن نصونها جميعا  ..فالإحن والمحن هي من صنعنا وبقعتنا المباركة منها براء .

السبت، 10 نوفمبر 2018

دعارة سلطة.. أم دعارة مواطن ؟!!


أجد نفسي قد سئمت تماااما.. حد القرف .
من تلك الأخبار التي صرنا نطالعها كل يوم في الصحافة الورقية والألكترونية ، والتي تحمل عناوين علي شاكلة ( القبض على شبكة دعارة ) ..هنا.. أو هناك ..!!
أخبار كأنها تكتب وتنشر بلا مبالاة.. وباعتيادية...
وكأن فضح الناس والتلذذ  بالتشهير بهم صار أمرا عاديا في مجتمعنا.. الذي صار لا يرحم ولا يبالي بتدمير سمعة أفراد بل أسر كاااملة !!
هذا المجتمع الذي - رغم تنوع ثقافاته وثرائها - إلا أنه كان مؤمناً بمنظومة قيم (السترة ، والتسامح ، والتغاضي عن زلات أفراده الشخصية.. بل والصفح الجميل وكذلك النصح الشفوق ) .. لا (التشهير والفضح.. والتلصص على خصوصيات الناس.. وتتبع زلاتهم بكثير من التلذذ والتشفي.. ) !!
فما الذي جرى لنا إذن ؟!!
أين ذهبت تلك القيم والمفاهيم الإسلامية التي تربينا عليها مثل (عدم تتبع عورات الناس ، وعدم الترويج للرذيلة  وإشاعة الفاحشة ..وكل هذه القيم التي تندرج تحت بند فقه السترة)  ؟!
وكيف لنفسٍ سويةٍ أن تقرأ وتتبع هذه الأخبار ، بل وتعيد نشرها في مجموعات التواصل الإجتماعي.. دون أن تتأذى نفسياً ويصيبها السقم ؟!
ألا يدرك هؤلاء أن سياسة السلطة ونظامها العام في هذا الشأن هي سياسة ( إلهاء ، وغيبوبة ، وإرهاب) ..؟!
فليقل لي هؤلاء المتأسلمون : هل هذه سياسة إسلامية أو نهج إسلامي ؟!
ألم يطلعوا على التراث الاسلامي المدون في هذا الشأن ، في أحكام الحدود وصعوبة إثبات الزنا.. ونبذ التجسس والتحسس ..
وكذلك قصة الخليفة عمر بن الخطاب مع تلك الاسرة التي تجسس عليها.. ثم ندم وأعتذر ؟!
أليست هذه دعارة سلطوية.. تعطي نفسها الحق في إقتحام بيوت الناس.. وترعب الناس في الشوارع وتهددهم بالفضيحة.. وتوحي لهم بأنهم جميعا في نظرها متهمون ومذنبون .. 
وتوحي لكل فرد بأنه مشروع فضيحة تسعى على قدمين ؟!
إن الترويج للفضيحة هو في حد ذاته فضيحة لهذه السلطة ونظامها العام المدعى .
فهل فرغت سلطة المتأسلمين هذي.. من أن توفر للمواطن التعليم والعلاج وسبل العيش الكريم... وصانته من ذل الحاجة والعوز حتى تمنح نفسها الحق في فضحه ومحاكمته في محاكمها الجائرة.. التي إن سرق فيها الضعيف أقامت عليه الحد.. وإن سرق فيها السلطوي منحته حق التحلل من أموال الناس.. هذا المال العام الذي يهدر هدرا (في الفوارغ) .. حين كان يمكن أن يصون المجتمع من ذل الحاجة والسؤال وبيع الكرامة رخيصةً على قارعة الطرق .
وهل هذا هو مفهوم سلطة المتأسلمين للأمن ؟!
وهل (أمن المجتمع) في مفهوم هذه السلطة هو تهديد وإرهاب أفراده بالفضيحة والتشهير بزلاتهم.. أم توفير حياة كريمة تغنيهم عن الخيارات المرة.. التي يفرضها عليهم العوز والجوع والمرض ؟!
شخصياً لا أوجه اللوم الأساس بهذا الخصوص لسلطة المتأسلمين وأذرع قمعها المتعددة التي تحمل مسميات وهمية عدة (من بسط الأمن الشامل إلى النظام العام إلى أمن مجتمع إلى آخره .. ) من مسميات خاوية.. وأجهزة أسست أصلا لإرهاب المواطن وإذلاله ومطاردته ومراقبته ومعاقبته على ممارسات لم تتزايد وتبرز بهذه الصورة إلا في هذا العهد البئيس.. الذي شهدنا فيه أنواااع وأنواع من أوجه الفساد والإفساد الممنهج مما قد يشيب له شعر الولدان !
بل أوجه اللوم في المقام الأول : لذلك المواطن الذي تماهى مع هذا النظام.. وصار يروج لما يريد له النظام ترويجه ، فصار أداةً أخرى للنظام بعلمه أو بغير علمه..
فصارت المحاكمة محاكمتين : سلطوية لا ترحم.. وشعبية تتلذذ بالتشفي !
فرجاء رجاء ، إرحموا فم جائع.. ومريض لا يجد ثمن علاج.. وطفل لا يجد كوب حليب.. وتلميذ رث الملابس ممزق الحذاء لا يجد ثمن كتاب .
وعندما توفر هذه السلطة للمواطن كل إحتياجاته من مصدر رزق شريف ، ولقمة طعام ، وتعليم وعلاج مجاني.. 
حينها حاكموا من زلت قدمه .
وكما ورد في القول المأثور :
عجبت لمن لم يجد قوت قومه.. كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه ..
آمنة أحمد مختار أيرا 
26 Mar 2018
hopenona7@yahoo.com

في عرين الرجال

كسودانيين ، تربينا على ثقافة ( البمد يده على مرة ما راجل )  .

فرغم أن مجتمعنا الحالي ذكوري كمعظم المجتمعات في محيطنا ، إلا أن أسلافنا أورثونا ثقافة أن للمرأة السودانية مكانة خاصة واحترام خاص .

حتى أنه كانت تقاس مكانة الرجل بمقدار إحترامه لأمه ونساء أسرته.. وبرقي تعامله مع الزميلة والصديقة.. والأنثى في الشارع .

وأعتقد أن هذه القيم مستمدة من تاريخنا العريق والقديم.. الذي كانت تتوج فيه المرأة ملكة تحكم وتقود الجيوش..

وشاعرة تستنهض الهمم ضد الأعداء والمستعمر .

قيم مستمدة من إرث كان يستمد فيه الزعيم والملك زعامته عن طريق سلالة والدته لا أبيه.. ويورث الملك والزعامة لسلالة أخته لا لسلالته الذكور من صلبه .

........

ورغم أن هذا كان تاريخا قديما يعود لمجتمعات أمومية وإرثا مستمدا من تقاليدنا الأفريقية القديمة..

ورغم وفود ثقافات ومعتقدات جديدة حولت مجتمعاتنا من أمومية إلى أبوية ..

إلا أن رواسب ثقافاتنا السودانية القديمة في احترام المرأة وتبجيلها واستهجان ممارسة العنف ضدها كانت لا تزال حتى وقت قريب.

بل كانت هذه الثقافة تتجلى في قيم الفروسية المغناة والمحكية والمنشدة شعرا .

.......

قرأت كغيري عن حادثة التعدي على رئيسة نادي الموردة الأستاذة حنان خالد بالضرب والشتم من أحد أعضاء مجلس ادارة النادي ، بسبب خلاف بينهم في وجهات النظر .. !!

واكب هذا الحادث الغريب.. إقتحام النساء لمجال رياضة كرة القدم بقوة وجدارة.  هذا المجال الذي لطالما كان حكرا على الرجال.

وهذا الحادث الغريب قد يحمل عدة إشارات.. من ضمنها أن بعضهم قد يكون غير راض عن إقتحام النساء لهذا المجال الذي قد يعتبره بعض من الرجال حكرا عليهم .

هذا ، رغم أن المرأة السودانية خاصة قد أثبتت جدارتها في كل مجال ولجته.

بل كانت لها الريادة في عدة مجالات سبقت بها الأخريات في محيطنا الجغرافي والثقافي الممتد في قارتين .

وقد سبقت هذه الحادثة الأخيرة.. تلك الحادثة الشهيرة والتي تعدى فيها بالضرب على إحدى طالباته أستاذ جامعي مرموق ومدير جامعة يفترض أنها تنهض بالنساء وتوعيهن بحقوقهن.

ألا وهو بروفيسور قاسم بدري.. الذي شاء القدر أن تكشف تلك الحادثة أن البروف معتاد على ممارسة العنف والوصاية الأبوية على طالباته بكل عنجهية وتعال ذكوري يرتدي مسوح شيوخ الدين ..وهو التقدمي إفتراضا !!

......

فهل يمكن النظر إلى هاتين الحادثتين بصورة منعزلة..؟!

أم يجب التأمل من خلالهما على ثقافة عامة سادت في العقود الأخيرة ..

تسوق وتبرر لإذلال النساء وتشرعن للعنف الممارس ضدهن.. سواء كان عبر القانون أو من غيره .

فكأن المجتمع صار فجأة يكره النساء.. لسبب مجهول وغير مفهوم !!

ابتداء من تلك القوانين التي سنت فجأة ، لتفرض على النساء زيا معينا.. وتمنعنا من دخول المدارس والجامعات حتى لو في عز أيام الامتحانات ..!

ومرورا بتفشي التحرش واللعن والنظرات الغاضبة والمترصدة تجاهنا في الشوارع..

والتحرش والمضايقات في أماكن العمل..

ولم تسلم منه أيضا عضوات المنظومات السياسية التي تبشر ببرامج طموحة وطليعية..

وكذلك جلد النساء أمام الملأ الذين يتفرجون بتلمظ وشماتة..

وانتهاء بانتشار الاغتصاب في مناطق الحروب ..الذي لم تسلم منه حتى الطفلات ..!!

وثم ، والله وحده يعلم والحال كهذه.. بما قد صار يحدث داخل البيوت المغلقة .

فإذا كانت نفس المؤسسة العريقة التي كنا نظن أنها منوط بها دراسة ظواهر العنف ضد المرأة بصورة علمية ومنهجية ، وكنا نعتمد على  دراساتها ودارساتها ..في رسم خارطة طريق لنا لمعالجة هذه الظواهر عبر رصد إحصائيات وتوفير المعلومات عبر الأبحاث الجادة ، كي نتمكن من وضع استراتيجيات ومعالجات.. اتضح أنها نفسها موبوءة بنفس هذا الداء الذي صار مستشر.. ويا له من داء !!

فما العمل إذن يا قوم.. ؟!!

فهل يمكن أن ينهض مجتمع ما.. وأحد كتفيه مائل ؟

آمنة أحمد مختار أيرا

27 Mar 2018

hopenona7@yahoo.com

الرئيسة السابقة لحزب الخضر السوداني.
حوار قديم ومبتسر نشر في صحيفة الحياة اللندنية.
https://www.google.com.eg/url?sa=t&source=web&rct=j&url=http://www.alhayat.com/article/586282/%25D8%25B1%25D8%25A6%25D9%258A%25D8%25B3%25D8%25A9-%25D8%25AD%25D8%25B2%25D8%25A8-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AE%25D8%25B6%25D8%25B1-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B3%25D9%2588%25D8%25AF%25D8%25A7%25D9%2586%25D9%258A-%25D8%25A3%25D8%25B5%25D8%25A8%25D8%25AD-%25D8%25B6%25D8%25B1%25D9%2588%25D8%25B1%25D9%258A%25D8%25A7-%25D8%25AA%25D8%25BA%25D9%258A%25D9%258A%25D8%25B1-%25D8%25A8%25D9%2586%25D9%258A%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%2588%25D9%2584%25D8%25A9&ved=2ahUKEwjRiv2njsveAhXFCewKHXJBAzsQFjAAegQIARAB&usg=AOvVaw2Xb5_q6sWtzxcTmMACmLeY

اللات ، ليليتو ، ليليث ، ليل ، لولية ، ليلى..





كنت قد افترضت في مقال سابق بعنوان :
( عزة ، العازة ، العزى ، إيزا ، إيزيس..)
بأن العزى.. إلهة قريش ومن والاهم ، ربما تكون هي نفسها إيزا أو إيزيس (نتريت ) وادي النيل التي طبقت شهرتها الآفاق وانتشر تقديسها في أمم عديدة...ولا تزال سيرتها خالدة حتى اليوم في ثقافاتنا بشكل أو بآخر..

وفي هذا المقال.. سأحاول عرض فرضية ربما تميل إلى الفانتازيا أكثر ..حول الإلهة الأولى ضمن الثالوث الأنثوي : ( اللات والعزى ومناة ) الذي قدسه سكان الجزيرة العربية قبل الإسلام  .
وربما أكملت السلسلة وتناولت كذلك سيرة مناة الثالثة الأخرى.. في مقال قادم.

* اللات :
من هي اللات وماذا يعني إسمها ؟
وهل كانت شخصية حقيقية ثم قدست لاحقا ؟!..
أم لم تكن سوى بطلة لرواية ميثولوجية فانتازية عتيقة صيغت لغرض ما ..ثم زاد عليها الرواة والمعتقدون على مر الأزمان و العصور ؟!
الإسم :
عندما نبحث عن معنى المسمى نجد المفسرين القدامى كأنما قد أعيتهم الفتوى والظنون كما هو شأننا اليوم..
فتتعدد التفاسير من نواحي لغوية وتاريخية .

فالإسم من ناحية لغة عربية قياسية قد يعنى تأنيث لإسم الجلالة ( الله) .
والمثير أنه عند بحثي عن معنى إسم ميناء إيلات أو أيلة بالعبرية ..والتي تطابق إسما بجاويا.. وجدت أنها مشتقة من الإسم إيل وهو يعني بالعبرية والآرامية ولغات سامية عديدة إسم الجلالة الله ..وليس كما ظننت سابقا بأن المسمى يحمل نفس المعنى بلغة البجا.
حين نجد أن الإسم إيلات بلغة البداويت البجاوية تقريبا يعني ( وضاحة أو البيضاء ) ، ولكن هذا أيضا يذكرنا بمدينة تاريخية عتيقة كانت في نواحي منطقة ميناء إيلات الإسرائيلي الحالي وكانت تلقب بالمدينة البيضاء نسبة للون مبانيها .

ومن ناحية ميثلوجيا تاريخية نجد مسمى اللات كذلك أقرب جغرافيا وعقائديا لمعبودة قديمة أخرى فيما بين النهرين هي (ليلتو ) .
كما نجدها أقرب أيضا إلى ليليث التي ذكرت في المثولوجيا الدينية اليهودية باعتبارها الأنثى الأولى التي خلقت قبل حواء من طين أيضا ولكن بشكل منفصل عن آدم.. ثم تمردت على سلطة آدم وهربت إلى الأرض.. وتحديدا إلى البحر الأحمر .. كما ورد في سفر الزوهار الذي يتناول الفكر الصوفي اليهودي الكبالا أو (القبالة) .

وكذلك هي أقرب إلى الإلهتين إنانا وعشتار في بلاد الرافدين والشام ..من ناحية السلطة الأنثوية المغوية والتي ترمز للخصب.
 في المصادر والمراجع العربية ورد أنه كان لها مقام في الطائف وسدنة وكاهنات ، وكذلك كان لها مقام في مكة عند الكعبة.
وكانت تعتبر ربة السماء والخصوبة وتتبرك بها النساء.
ويرجح البعض أن سكان الجزيرة العربية قد استعاروا عبادتها من الأشوريين والأنباط. والبعض يربطها بكوكب الزهرة كما ذكر هيرودتس .
وفي مدينة تدمر السورية يوجد تمثال للات وبجوارها أسد رابض.
ووردت في النصوص النبطية التدمرية بإسم ( اللت) .

هذا ما كان عن اللات.

* أما ليليتو أو ليليت أو ليلت :
فهي معبودة قديمة من بلاد الرافدين ، وتعد كيان أنثوي ليلي ..وتلقب بسيدة الرياح .
ورمزها البومة التي غالبا ما كانت ترمز للشؤم إضافة للحكمة في الثقافات العتيقة.
وتصور أحيانا على صورة سيدة مجنحة.
ووجدت قصتها ضمن ملحمة قلقامش في الرقم المسمارية السومرية.
وبعض الباحثين يعزون مصدر قصتها إلى أيام بابل القديمة وسحرها الأسطوري ، وكذلك إلى تاريخ السومريين وأسرارهم العتيقة وطقوسهم المحيرة ..
ويرمز لها أحيانا بالتنين وحرارته وتارة بالأفعى المغوية التي ورد ذكرها في قصة الخلق .
عموما هي ترمز عندهم لقوة روحانية شريرة تصيب النساء الحوامل بالحمى وتسقط الأجنة  .

الإسم :
يعود مسمى ليليتو أو ليليت أو ليلت أو ليليث إلى مصدر لغوي سامي (حسب التصنيف القديم للغات).. حيث يشتق الإسم من الجذر (ليل) ، وهو ذو معنى متطابق في عديد من اللغات التي تصنف ضمن التصنيف أعلاه ، حيث نجدها بنفس المعنى في العربية والعبرية والأكادية..فهي بالعبرية تعني العتمة ، بل وكذلك في لغة تقراييت وهي إحدى لغات البجا ..حيث ليليت بالتقراييت هي الليلة والليل لالي.. وكذلك تعني حورية.
وليلو بالتقراييت والتقرينية تعني النسر .
أما في لغة تبداوييت البجاوية فليليت تشير للعين وكذلك تعني زغرودة.

* ليليث :
في الميثلوجيا اليهودية خاصة فكر الكبالا(القبالة) الصوفي تعتبر ليليث الأنثى الأولى التي خلقت قبل حواء.. ثم أصابتها اللعنة لتمردها. فتحولت إلى كيان ليلي شيطاني وإلى بومة نائحة تجلب النحس.
الكلمة بالعبرية مصدرها الأصل السامي ( ليل) كما ذكرت.. الموجود بنفس المعنى في عديد من لغات المجموعة السامية ( حسب تصنيف شولتزر للغات) .

* ليليث كعنصر جدلي في قصة الخلق :
إذا تأملنا الرواية اليهودية الباطنية عن ليليث ..فسنجد أنها ذات مغزى فارق ومفارق في قصة الخلق..
فهي الأنثى الأولى التي خلقت من طين مثل آدم..
فتمردت عليه ولم ترضخ لسلطته أو أفضليته عليها ..فأصابتها لعنة الخالق بعد هروبها ومعاشرتها للشيطان الذي أنجبت منه.. فطاردتها الملائكة المكلفون بعقابها وقتلوا أطفالها.
فعزمت على أن تنتقم من حواء بقتل أطفالها أو إصابتهم بالمرض والعلل الغامضة.. وإصابة ذرية حواء من النساء بحمى النفاس.
وتربطها الأسطورة كذلك بالأفعى المغوية التي تسببت في إخراج آدم وحواء من الجنة..
وهي أيضا تغوي الرجال حيث تظهر لهم في صورة أنثى فائقة الحسن لتضللهم وتوقعهم في شتى المهالك..

وهي هنا تطابق قصتها قصة جنية سواكن الشهيرة ( تهشو ) ..
التي كل من رآها انبهر بحسنها تبعها إلى أعماق البحر ولم يعرف مصيره.

وكذلك بالجنية المغربية ذات المهابة والسيرة المفزعة عائشة القنديشة أو عيشة كونتيسة أو عايشة السودانية..التي تهوي الثأر من الرجال وأخذهم في دروب المتاهات ، أو معاقبتهم بصورة عنيفة عندما يسيئون معاملة النساء.

ونجد القصة تكاد تتكرر في عديد من ثقافات وتراث دول الشرق الأوسط وأفريقيا بصور ومسميات عديدة.. تتفق في معظمها حول كيان روحاني أنثوي ظلامي مهاب غامض جامح وفتاك ..
وربما يكون الأمر قد نشأ في بدايته ضمن معتقدات عتيقة لشعوب المنطقة كانت تتميز بطقوس جامحة وجنونية.. حيث تباح المحظورات في طقوس (الدعارة المقدسة) في سبيل خصب الأرض وخصوبة الإنسان عبر التوجه والتوسل للطبيعة الأم.. بعد ترميزها في صورة كيان أنثوي مانح للحياة في آن ومانع لها في آن آخر..
وقد (أغوت) حكاية ليليث الأسطورية الأدباء والرسامين والنحاتين حول العالم فكتبوا ورسموا ونحتوا العديد من الروايات واللوحات والمنحوتات من وحي قصتها ، وصارت في رواياتهم نموذج للمرأة المغوية أو المتمردة أو القوية.
بل حتى في علم النفس ابتدعت عقدة تسمى بعقدة ليليث..
وكانت من بنات أفكار أو منهج المحلل النفساني النمساوي فريتز ويتلز .

* أم الصبيان :
تعد الجنية أم الصبيان في الثقافات السودانية من أشهر الكيانات الأنثوية الغامضة التي يرقي الناس صغارهم منها عبر وضع تمائم وشرب محايات ( المحاية هي آيات قرآنية تكتب على لوح خشبي وتغسل بماء ورد وتسقى لمن يحتاجها لمختلف الأغراض) .
هذا بالنسبة للمسلمين طبعا ، وكذلك لكل أصحاب معتقد آخر في السودان وسائلهم الخاصة في إتقاء شرها المزعوم.
وهذه غالبا طقوس قديمة وعتيقة جدا..تمت أسلمتها واستيعابها والتصالح معها ومزجها مع الثقافة والمعتقدات الإسلامية التي اعتنقها القوم طوعا .

وقد تكون أم الصبيان في الوجدان الجمعي السوداني تمثل الأنثى الأولى الملعونة التي توعدت نسل حواء .
من يدري.. ؟!

* سخمت :
قصة نتريت سخمت الساخطة (المسخوتة) ..
 تلك التى أوكل اليها الإله رع فى الأسطورة  عقاب الجنس البشري بعد أن انتشر فيهم الفساد والشرور .
سخمت وتعني القوية، كانت دائماً ما تمثل كسيدة برأس لبؤة أو بهيئة سيدة ورأس لبؤة جالسة علي العرش .
في ميثولوجيا وادي النيل غضب  رع نتر الشمس على البشر ، فقام بإرسال سخمت لتنتقم منهم . وهي تمثل التجلي المنتقم لحتحور . إلا أن سخمت قد تمادت في مهمتها هذه ، فعاثت في البشر تنكيلا وتقتيلا . وهنا اضطر رع لخداعها وتهدئتها، بأن أسقاها كميات من قناني النبيذ الأحمر ، فسكرت ربة الإنتقام وهدأت حتى توقفت عن القتل.

* لولية الحبشية :
اللول اللول يا لولية..

لالي لي ولا لي لالي لي..
اللول لول يا العروس..
الليل الليلة العديل والزين
اللول لوو لوو ..
هذه مطالع أغنيات شعبية سودانية شهيرة تعد من اللون الغنائي المعروف ب(أغاني البنات).. وهي تنشد في الأعراس والمناسبات البهيجة في عديد من مناطق السودان ، وتعد أيضا من ضمن أغاني الطقس المعروف ب(رقيص العروس) ، وكذلك عادة ما تنشد ضمن أهازيج طقس الحنة والجرتق (وهذا الطقس تحديدا يتطلب دراسة مكثفة تراثيا وتاريخيا رغم وفرة الكتابات عنه والتي لم تشبع فضولي البحثي بعد) .

أما المطلع الأول :
اللول اللول يا لولية..بيسحروك يا لولي الحبشية ، فيعود لطقس الزار.
حيث تعد هذه الأغنية ( أو الوتر أو الخيط) من ضمن الأوتار أو الخيوط التي تدق وتعزف لجذب واستحضار روح كيان أنثوي جامح وشهير.. كي يتنزل أو يتلبس أو يحضر على جسد الشخص الملبوس أو ( الملبوش) .
ويزعم أهل الزار وممارسوه أن هذا الكيان أو (الريح)  المسمى بلولية أو لولا.. ملكة لأرواح الزار وسيدة لهم.. لذلك تلقب ب(الست أو القائدة) ، وهنا نلاحظ أن هذا اللقب (الست)  شبيه بلقب إيزا - إيزيس ( إست)  الذي يعني السيدة أو المتربعة على العرش.

الإسم :
لماذا لولا.. ولماذا حبشية تحديدا ؟
وبما أن لولا أو لولية تنسب للحبشة.. فقد حاولت أن أستدل على معنى الإسم بكافة اللغات الحبشية التي تنسب للدولة التي تسمت حديثا باسم أثيوبيا .
فلم أوفق في معرفة معنى الإسم بكافة لغاتها، ولكنها على حسب أحد الاصدقاء تعني بالأمهرية لؤلؤة وكذلك نجمة.
ويقال إن الإسم منتشر في أثيوبيا بصورة كبيرة.

و مع ذلك ، فإن مسمى لولا كما نلاحظ (قد يعتبر ) كلقب تدليل ل(ليليت أو ليلت) ، هذا مع إضافة لقب (الحبشية)..
ومسمى الحبشة كما نعلم كان يطلق أحيانا من ناحية (اصطلاحية ) على البر الغربي للبحر الأحمر ..

ويمكن أن نتأمل هذه المعطيات على ضوء ما ورد في الأسفار القديمة عن مستقر ليليث بعد هبوطها إلى الأرض ..حيث ذكر أنها إستقرت في البحر الأحمر .

وهنا قد يثار سؤال مثير : هل كان سكان ساحلي البحر الأحمر يقدسون أو يتوسلون أو يقومون بطقوس إستعاذة قديمة لاتقاء شر المتمردة الجموحة ليليث..
ثم تحور إسمها لاحقا إلى لولا الحبشية ؟!
من يدري..

خاصة أن طقوس الزار الخاصة بالست لولا تعد طقوسا مرفهة.. بل تدليلية.. حيث يقال أن الملكة لا تنزل إلا بعد توفير كل مطالبها من بخور الصندل وزيته الصندلية.. وكل ما غلا ثمنه من الخمور والعطور والبخور والمكسرات والأقمشة الحريرية الحمراء..
وحيث تفضل الست كل ماهو أحمر : من شموع وخمر وبخور وقماش. ولها يومها المفضل وهو الخميس.
وعلى حد قول أحد الأصدقاء المتبحرين في شؤون طقس الزار :-
( لو الست نزلت وما لقت حاجاتها بتبشتن الدنيا ) ..
بمعنى أنهم لا يرغبون في إغضاب الست.. حيث أن غضبها سيزيد ويضاعف العلل على المصاب بمسها أو الذي يتجسد (ريحها ) فيه .
ودستووور ..

يا ليلى ليلك جن :
حقيقة اسم ليلى..

من زاوية أخرى.. ولكن ليست بعيدة تماما عن موضوعنا هنا..
نلاحظ أن الشعراء والمغنيين والصوفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. خاصة السودان ، شغوفون للغاية بنظم وإنشاد الشعر الغزلي في حسناوات ومعشوقات يحملن الإسم (ليلى).

ودفعني هذا الأمر للتأمل حول الاسم ومحاولة معرفة مصدره وسبب شيوعه و(التشبب) به شعرا ومغنى ..

معنى الإسم : فسر المفسرون بالعربية إسم ليلى بالخمر الداكنة أو نشوتها ..وكذلك بظلمة الليل.
ويقال تعبير (ليلة ليلاء)  لوصف الليلة الصعبة أو المرهقة أو التي حفلت بأحداث ذات أثر شديد على النفس سواء سلبا كان أم إيجابا.
وكما أشارت إحدى الأخوات إلى أن:
 (يا ليلي ليلك جن، قصيدة صوفية معروفة وتغنت بها عقد الجلاد .
واسم ليلى مرتبط بالأدب الصوفي ،وله دلالات عند الصوفية ، ويسمونها عروس الحضرة ..
وهي عندهم تمثل الروح والانغماس في الحب  الرباني النوراني .
واستخدام إسم ليلى في الأدب الصوفي استخدام مجازي وليس حقيقي).

وبطبيعة الحال ليس من المستغرب أن يتطابق جذر الإسم في العربية ومعناه مع بقية اللغات التي توصف (اصطلاحا) بالسامية .

فترى من كانت ليلى العربية الأولى  ؟
وكذلك ليلا في اللغات الأخرى ؟
وكذلك الإسم اللاتيني ليلي الذي يعني زهرة الزنبق.

أعتقد أنها أسئلة تستحق التأمل والبحث حولها..
وكما ذكر أحد الأصدقاء :
فكل يغني على ليلاه..

* المرأة كمقدسة.. والمتمردة ليليث.. والست لولا :
كما نعلم ، قدست حضارات وثقافات كثيرة المرأة في صورة إلهة وربة أو كتجلي إلهي محرك أو متحكم في ظاهرة طبيعية معينة.
ففي حضارة وادي النيل على سبيل المثال ، كان ( النترو)  من رجال ونساء ينالون نفس التقديس ، بل وأحيانا نجد سيرة (النترت)  أعمق ظهورا وارتباطا بحاجات المجتمع من (النتر) خاصة طقوس العبور من ميلاد وختان وبلوغ وزواج وإنتقال للحياة الأخرى . فنجدها بذلك راعية لكل الأطوار المهمة في حياة الإنسان .
كما نجد الملكات الكنداكات والنسب الأمومي في حضارات وثقافات السودان القديمة .

وهنا يحق لنا أن نتساءل : هل نشأت أسطورة ليليث وغيرها من أساطير نساء متمردات مزاجيات وجموحات.. نتيجة لحاجة بعض المجتمعات لإيجاد نوع من التكافؤ بين نوعي الذكر والأنثى ..وذلك حين يختل التوازن المجتمعي بين النوعين بصورة سافرة.. فيقمع المجتمع المرأة ويحجم رغباتها أو يحجب عنها بعض الحقوق ويحصرها في ما يعرف في علم النفس الإجتماعي بمصطلح (توقعات الدور).. أو يستهجن منها إغتراف وإقتراف بعض متع الحياة وشهواتها..؟!

هل هي حاجة وجودية فلسفية أم نفسية.. أم حتمية كغريزة مقموعة تتخذ شتى الأطوار كي تعبر عن نفسها ووجودها في سعيها صوب الإشباع الطبيعي ..
حيث تكون حاجات وإحتياجات ورغائب حواء هي المحور الذي تدور حوله الأشياء هذه المرة بدلا عن آدم.. ؟!

وربما يكون هذا سببا لإبتداع ليليث كرمز للعتمة والشر وجعل إرتداء التمائم والتعوذ منها واجبا وجيبا...
..............

ملحوظة : المقال ليس سوى مشاركة مني للقراء في نوع من العصف الذهني وتأمل في مسميات وروايات تراثية ودينية عتيقة .

آمنة أحمد مختار إيرا
17 Aug 2018
هوامش :
* النترو في ثقافات وحضارات وادي النيل القديمة : كائنات مقدسة تقوم بمهام إلهية عبر تحكمها بقوى الطبيعة .
* الزوهار : سفر يهودي يفسر التوراة من ناحية صوفية باطنية.
* تصنيف اللغات إلى سامية وحامية وأخرى غير معروفة المنشأ كان تصنيفا اصطلاحيا قديما إستنه العالم اللغوي النمساوي أوغست لودويك شلوتزر عام 1781، وذلك بغرض تصنيف المجموعات اللغوية إلى أسر تتشابه من حيث الخصائص اللغوية ، ولكن اتضح لاحقا عدم دقة وعلمية التصنيف كونه يعتمد على ميثولوجيا دينية لم يثبت وقوعها حسب مناهج وأدوات البحث العلمي التاريخي والآثاري والأنثربولوجي ، وهنالك الآن تصنيف جديد للمجموعات والأسر اللغوية يعتمد على معايير أكثر دقة وتعقيدا.
* كل الشكر والتقدير لزملائي الباحثين الذين شاركوني النقاش والعصف الذهني في المجموعات المتخصصة في التراث والتاريخ والآثار  .خاصة مجموعة بيت الزار ومجموعة حضارات سودانية ومجموعة مركز ثقافة وحضارة البجا.

* مراجع : الأساطير العربية قبل الإسلام، تأليف محمد عبد المعيد خان، الناشر : مطبعة لجنة التأليف و الترجمة 1937م.
* ميثلوجيا آلهة العرب قبل الإسلام ، تأليف الساسي بن محمد الضيفاوي . من إصدارات المركز الثقافي العربي.

* مصدر الصور المصاحبة للمقال :