- * الإنسان ككائن إجتماعي :
رغم أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه الغريزي الذي جبل عليه ، ولا يختار الوحدة أو الانعزال عن قطيعه البشري إلا برغبته ومزاجه، أو حين يفرض عليه مجتمعته أو محيطه أوحاضنته الاجتماعية نمطا في الحياة لا يناسبه .
فإن توق الإنسان إلى الحرية.. والعيش حرا حسب نمط حياة يناسبه ، يكاد أن يكون كذلك غريزة أساسية جبل عليها كما جبل على غريزة العيش ضمن مجتمع بشري.
فمهوم الحرية هنا مفترض أن لا يتناقض مع مفهوم العيش ضمن القطيع البشري المعين ،أو الحاضنة الاجتماعية، أو العرقية ، وكذلك وحداتها الأصغر كالعائلة الممتدة ثم العائلة الصغرى أو الأسرة.
هذا ما كان عن وضع الإنسان ضمن الوحدة الاجتماعية.
وكذلك هنالك وحدات اجتماعية وسياسية وثقافية أخرى قد ينضم إليها الإنسان بمحض خياره ، وهي تلك المجموعات المنظمة التي تناسب ميوله وأنشطته الإنسانية المختلفة.
* الإنسان كفرد ضمن دولة :
ورغم أننا كبشر خلقنا فرادى ، وكذلك داخل منظومة إجتماعية ، وكذلك توجد هذه المنظومات الإجتماعية في كيانات أكبر تسمى الدول، لهذه الكيانات حدود جغرافية وتاريخ مشترك .
هنا نشأت الحاجة التاريخية لتظيم هذه العلاقة الدقيقة بين الإنسان كفرد.. وبين مجتمعه ودولته.
فسنت الدساتير والإنظمة الإجتماعية والقوانين.
والغرض المفترض من هذه الدساتير والقوانين هو تنظيم وتقنين صيغة تعايش مشترك بين الحواضن الاجتماعية العديدة ، وكذلك وحداتها الأصغر ومن ثم أفرادها ضمن وطن يكون هو الحاضن الكبير لهذه المجتمعات العديدة التي تعيش داخل الدولة ومكونة لها شعبها ومنها تستقي صفتها القومية بين الأمم ، فيما يعرف بالهوية القومية.
وبالتالي تعتبر هذه الدساتير والقوانين المنظمة للحياة العامة بمثابة عقد بين الدولة والمواطن.
تكون مهماتها الأساسية توفير الحماية للدولة وشعبها وكذلك حماية الحقوق الأساسية للمواطن وتوفير سبل العيش الكريم والحفاظ على الموارد وتنميتها بحيث توفر الرفاهية للشعب . وذلك بتكوين مؤسسات لهذا الغرض، سواء كانت أجهزة تنفيذية وتشريعية وقضائية ، تأتمر لها مؤسسات حماية الوطن والشعب (جيش ، شرطة ،استخبارات) .
وبالمقابل يقوم المواطن بدوره في العمل والتعليم والتعلم والإبداع و دعم عجلة الإنتاج والمساهمة في حماية الوطن من العدوان الخارجي .
إذن، فطالما نظم مجموع من البشر أنفسهم داخل حدود جغرافية محددة في منعطف تاريخي ما ..وكونوا لهم دولة ذات سيادة ، وجهاز حكومي يحكمهم .
فهم هنا قد ارتضوا أن يتنازلوا عن جزء من حريتهم الفردية والعشائرية ..مقابل الحماية والأمان والعدل والرفاهية الجماعية .
فإذا اختل أي من هذه الموازين.. فسيكون هذا بمثابة نقض إتفاق تبادلي.. وستنشأ المشاكل حينها وينفرط عقد الأمن وتنتهك الحقوق وربما تنشب الحروب الداخلية الأهلية.
* الفرق بين مصطلحات (وطن، دولة، حكومة ) :
الدولة هي الوطن ، ذاك الموجود على حيز جغرافي ما.. ويضم ترابا يمتلكه شعب ما..ورثه عن أسلافه ويعتبره أرضه التي يعيش عليها ويعتاش من خيراتها وينتج فيها ويعمل فيها لخيره ولخير مجتمعه .
فدعوني أشبهها بالبيت الصغير الذي يحتضن ويؤي أسرة ما..
والأسرة هي الشعب.
أما الحكومة أو السلطة ، فهي المنظمة لعلاقات السكان بينهم وبين بعضهم.. وبينهم وبين الدولة ، محتكمة في ذلك بالنظام القانوني المختار والمتفق عليه (الدستور) .وهي المكلفة بحماية الدولة من الأخطار الخارجية وكذلك معالجة الأخطار الداخلية عبر أجهزة الدولة التنفيذية والقانونية ، ومكلفة كذلك بتدبير وتوفير ورعاية الموارد وحماية السكان وحفظ حقوقهم وصيانتها من الانتهاكات.
* متى يتغول المجتمع على حرية الفرد ؟
كما سبق وذكرت أن الإنسان كائن إجتماعي بطبعه. وهذا أمر ربما لاحظه الجميع حتى قبل الفلاسفة.
ولكن، يحدث أحيانا.. وربما كثيرا.. أن يضطر الفرد للتخلي عن حريته الفردية بحجة أن هذا الأمر في صالح الجماعة.
ولو إعترض الفرد دفاعا عن حريته في اختيار أمر مخالف للمجموعة.. ربما يتعرض للنبذ وربما الطرد..بل والعقاب والقتل أحيانا.
* متى تتعدى الدولة على حرية بعض المجموعات الاجتماعية المكونة لها ؟
قد تتعدى سلطة من السلطات محتكمة في ذلك بسيطرتها على مفاصل الدولة وأجهزتها.. قد تتعدى على حرية مجموعة من المجموعات المكونة للدولة ، وتحاول قولبتها قسرا ضمن السياق العام الذي يطبع الدولة بطابعه ويصمها بهويته.. سواء أكان هذا الطابع العام آيدلوجيا أم ثقافيا أو دينيا أو عرقيا.
وقد تنشب حرب أهلية جراء ذلك.
* متى تتعدى الدولة على حرية الشعب ككل ؟
يحدث كثيرا كما شهدنا ونشهد حولنا وفي بلدنا.. أن تستولى سلطة ما على مفاصل الدولة وأجهزتها ، وتقوم بتغيير النظام الدستوري الذي يحكم الدولة وتغير القوانين بما يناسب أيدلوجيتها ، وتمارس قمعا ممنهجا ضد غالبية الشعب.. وتحاول أن تفرض عليه رؤاها قسرا ، وتحاول قولبة الشعب بأجمعه في قالبها الخاص الذي يلاقي مقاومة من الجماهير المكونة للدولة.
ويكون مصير كل مخالف إما القتل أو النفي أو الهجرة أو التنكيل والتعذيب وثم التشريد من العمل والتجويع والحرمان من موارد الدولة التي تصير في يد العصبة الحاكمة.
فحينها تنعدم الحريات وينفرط عقد الدولة والأمن ويتدهور الإنتاج وتهدر الموارد ويضيع مستقبل أجيال.
وهنا، تكون هذه السلطة أو الحكومة قد خالفت كل العقود والمواثيق بينها وبين الشعب الذي حكمته.
هذا، رغم دروس التاريخ التي ما تفتأ تعيد نفسها كل يوم من حولنا ، كأنها تريد تذكيرنا بأن أي سلطة حاكمة تنتهك عهدها مع الشعب.. أو تستولي على مقاديره بالقوة والبطش.. فمصيرها إلى زوال طال الزمن أم قصر.
فالجوع إلى الحرية والكرامة.. جوع غريزي في الإنسان وجبلة جبلته عليها الطبيعة.
فالإنسان كما لن يصبر على العطش وجوع الطعام.. فكذلك لن يصبر على جوع (الحرية)
فالحرية كذلك.. غريزة أساسية.
26 Dec 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق