الصفحات

الثلاثاء، 19 مايو 2020

ماهو أخطر من الكورونا.. محاولات إفراغ (ثورة الشباب) من مضامينها ومطالبها ومن ثم محاولات تقويض الفترة الانتقالية

ماهو أخطر من الكورونا..
محاولات إفراغ (ثورة الشباب) من مضامينها ومطالبها ومن ثم محاولات تقويض الفترة الانتقالية

آمنة أحمد مختار أيرا

مقدمة للتذكير :
هذه الثورة قام بها الشابات والشباب.. شباب المدن والفرقان في الأقاليم ..ثم إنتقلت إلى العاصمة كنتيجة طبيعية.
ثم إنبرت الكيانات المنظمة مهنيا كان أم حزبية لتقودها.. وهذه نتيجة طبيعية أيضا..
فأي ثورة تحتاج إلى قيادة.
ورغم يأس قطاعات كبيرة من الشباب غير المنظم من تنظيمات المعارضة التي فشلت في إزاحة نظام الإنقاذ الدموي الفاسد ..رغم محاولاتها المسلحة وغير المسلحة عبر عقود ، إلا أنهم رحبوا بالتفافها حول الثورة ورحبوا ببروز تجمع المهنيين السودانيين كحادي لركب لهذه الثورة.. رغم عدم معرفة معظم الثوار وغيرهم لكنه هذا الكيان.
الذي إتضح طبعا فيما بعد أنه كيان ذو شقين :شق منظم حزبيا وشق منظم نقابيا.. رغم عدم وجود خط حاسم يفصل عضوية الأحزاب عن المهنيين غير المحزبين.
ثم عقب تنحي البشير مباشرة.. ظهر الصراع مبكرا (والذي كان يمكن أن يؤجل) بين الكتل السياسية غير المتآلفة المكونة لقوى الحرية والتغيير ..
وظهر بصورة جلية وقد تكون متوقعة للكثيرين.. عدم التآلف والتناغم بين كتل (قحت) الرئيسية.
الأمر الذي جعل عسكر البشير  الذين كانوا يمسكون بالسلطة بعد تنحيه.. يتنفسون الصعداء بعد حالة الرعب التي أصابتهم بها ثورة الشباب..وأصابت معهم المحاور الإقليمية.
فقد كانوا يتوقعون أن التغيير هذه المرة سيكون حاسما وجذريا..
لولا بعض الممارسات التي حدثت من قيادات كابينة الثورة (قحت ،والمهنيين) والتي أرسلت إشارات تطمينية(بقصد أو دون قصد)  لعسكر البشير ومحاورهم.. وجعلتهم يتنفسون الصعداء بأنهم يمكنهم الالتفاف على مطالب الثورة والثوار وإفراغها عن مضماينها بصورة ممنهجة..
والكل بالطبع ، تابع حج بعضهم إلى القصر الجمهوري.. والسعي بين صفاه ومرواه ..
وكذلك السفريات الغامضة إلى بعض دول المحاور..
كل هذا حدث رغم الصمود الأسطوري للثوار في الميادين !!

المهم، كانت نتيجة شعور القوى المعادية للثورة بالإطمئنان بعد الرعب الذي عاشته..أنه قد آن أوان الالتفاف على مطالب الثورة والخروج بأقل الخسائر..
فبدأت بتنفيذ إستراتيجيات عسكرية مدرب عليها (منها التفاوض بغرض المماطلة)، وكذلك محاولات محاصرة الخصم (معركة المتاريس- ثم كولومبيا) ..ومحاولات اختراق الاعتصام الرئيس (اعتصام القيادة) تمهيدا لفضه.
ثم حدث ما حدث.
ورغم أن حدوث ماحدث كان قاسيا..إلا أن القوى التي سلمها الشعب قيادة الثورة عادت لطاولة التفاوض مرة أخرى.. في تنازل غير مفهوم رغم القوة التي كانت في يدها.. هذه القوة التي يبدو أنها لم تعيها حتى الآن.. وهي قوة هذا الشعب الثائر..ورغم دماء الشهداء وهي قوة أخرى عظيمة لو درت قحت أم لم تكن تدري !!

وواضح طبعا.. دور المحاور ومبعوثيهم وعملائهم في الضغط للعودة للتفاوض على دماء الشعب وثورته.

* الوثيقة الدستورية :
وهذه الوثيقة صممت لتقنن لمشاركة عسكر الإنقاذ في السلطة الإنتقالية ، والحيثيات التي صممت بها هذه الوثيقة بهذا الشكل غامضة بل شديدة الغموض، وأزعم أن هنالك أيادي خارجية كان لها دور في الإضافة والحذف على بنود الوثيقة.
لذلك أتت بهذه الصورة المهلهلة.. والنسخ العديدة!!

* منبر جوبا : بعد رفض إتفاق أديس مع الجبهة الثورية من قبل بعض مكونات قحت.. شقت الجبهة الثورية طريقها إلى جوبا وأعادت ترميم تحالفها.
ولكنها في سبيل (تكبير كومها) أخطأت بابتداع التفاوض عبر بدعة (المسارات الجهوية) هذه المسارات التي صارت مدخلا وبابا خلفيا لبعض فلول النظام.. وكذلك عقدت التوصل إلى إتفاقات حول المناطق المشتعلة (دارفور والمنطقتين).. بل وساهمت وهددت باشتعال مناطق آمنة.. مناطق بعضها شارك في تفجير هذه الثورة السلمية بعد تخليه عن الكفاح المسلح (شرق السودان)..
ومناطق لم يسبق أن حدثت فيها أصلا صراعات مسلحة مع الإنقاذ ..!!

الأمر الذي ساهم في تعقيد عملية التوصل لتفاهمات مع حركات المعارضة المسلحة حتى الآن..بل أعادها للتشظي.

كذلك عدم الثقة داخل مكونات الحرية والتغيير.. والتي جزء منها بعض حركات المعارضة المسلحة ضمن كتلة نداء السودان.. ساهم في تدخل المجلس السيادي وقيادته لهذا التفاوض وفرض أجندته عليه.. وكذلك دعم السيادي للجبهة الثورية في محاولة فرض (مساراتها الجهوية) المرفوضة من غالبية مواطني المناطق التي لا يوجد بها حروب.. الأمر الذي ساهم في تفجر الصراعات في شرق السودان الذي كان آمنا نسبيا..هذه الصراعات التي أضمن لكم أنها لن تنتهي قريبا ، وكل ذلك نتيجة للعيوب العديدة داخل مكون الجبهة الثورية والذي صار مخترقا حتى العظم من فلول نظام الإنقاذ وكوادرها من الذين عليهم قضايا فساد وتعذيب وقتل للمواطنين !!
والجبهة الثورية منذ البداية صاحبتها اختلالات هيكيلة في التكوين وصراعات وانشقاقات نسبة لإنعدام الديقراطية الداخلية.. وكذلك تهميش دور الكادر النسوي فيها.

وحتى لا أظلم (الثورية).. فهذه إختلالات لم ينجو منها تنظيم سياسي سوداني أو كتلة سياسية.
وخير دليل :ما حدث ويحدث الآن داخل مكونات تحالف قحت .
والتي انشغلت بصراعاتها ومحاصصاتها ..بدلا عن التفرغ لدعم الفترة الانتقالية.. وأن تؤجل صراعاتها لفترة الإنتخابات.
واستقطاب الناخبين منذ الآن مشروع بالطبع.
ولكنه لا يعني التفرغ فقط للهجوم على الآخر وتصيد الهفوات والضرب تحت الحزام.. في تجاهل تام للمخاطر التي تحيط بالوطن والحكومة الإنتقالية والإنتباه والتصدي للأيدي الداخلية والخارجية التي تسعى لتقويضها وإفشالها.
فما يحدث في أطراف الوطن الآن من معارك مفتعلة كل يوم لا يلاقي أي إهتمام يذكر من الكتل المكونة للحرية والتغيير.. فهم مشغولون بصراعاتهم الداخلية التي صار الشعب متابعا لها ومتحيرا !!

* القوى السياسية داخل وخارج الحرية والتغيير التي من مصلحتها تقويض المرحلة الانتقالية وإفشال حكومتها :
وهذه القوى طبعا تنظيمات بعينها ضمن كتل الحرية والتغيير.. وخارجها من تنظيمات الفلول (المؤتمرين الوطني والشعبي وحلفائهم مما اصطلح عليهم بأحزاب الفكة)..
وهؤلاء طبعا غير أن أجندتهم معروفة ومكشوفة..بل مرفوضة لكل الشعب الثوري.. فهم يتوهمون أنهم لا يزالوا أحزاب ذات ثقل جماهيري وأنتخابي..ولذلك يطالبون بإنتخابات مبكرة.
وهؤلاء لا يدرون أن الزمن لم يعد زمنهم.. وأن المشهدين السياسي والإجتماعي في السودان غير تغيرا كثيرا..
فغالبية الشباب الثوري لا يفهم أطروحاتهم الرجعية التي تنتمي إلى تاريخ وواقع آخر.. وبل لا يفهم قواميس قادتهم والمصطلحات التي يستخدمونها في خطاباتهم !

وبالتالي فليفهم هؤلاء أن الشعب ملتف حول حكومة ثورته (رغم عيوبها).. وليس راغبا في المغامرة بالتضحية بها.. في مقابل إنتخابات مبكرة ربما تعيد الإسلاميين وأذنابهم..فهم لايزالون يمتلكون أموال الشعب السوداني وثرواته.. وسيحاولون شراء أصوات المنتفعين..كما كانوا يفعلون..
وكذلك يدعمهم محور الإخوان المسلمين العالمي.

* قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين :
على هذه القوى التي إنبرت وتنبرت لقيادة ثورة الشعب وشبابه.. أن تفوق من سكرة السلطة المتوهمة وتكف عن صراعاتها..
نعلم أن بينهم جميعا خلافات أيدلوجية وفكرية.  وأن تحالفهم كان ولا يزال تحالف مرحلي اقتضته ظروف الثورة ..
ونعلم أنه تكتل غير متجانس وهش من نواح عديدة ولم يجمع بينهم سوى المصلحة المشتركة في إزالة نظام الإنقاذ.. بل بعضهم كان لا يؤمن بإسقاط النظام وكان يفاوضه إلى مرحلة قبيل الثورة..!!
هذه الثورة الشعبية التي يبدو أن معظم هذه القيادات قد تفاجأت بها.. رغم أن الأمر كان متوقعا للإنسان العادي.. وإرهاصات الثورة لم تكن تخفي على عين..

فعليهم أن يكونوا قدر المرحلة والتحدي وقدر المسؤولية التي تصدوا لها.. وأن يتعهدوا بالعمل على إنجاح المرحلة الانتقالية كما تواثقوا مع الشعب.. حتى يسلموا الشعب دولته وموارده ليديرها عبر إنتخابات حقيقية مسؤولون هم أكثر من غيرهم عن نجاحها ونزاهتها.
وعليهم بدلا عن التفرغ لخلافاتهم أو الحج لبيت الإمام.. أن يعملوا على إعادة هيكلة تكتلهم السياسي (قحت) الحاضن للحكومة.
وكذلك حسم ملفات دارفور والمنطقتين.. فإذا كانوا سياسيين حقيقة فلن يعجزهم هذا الأمر.
19 May 2020