حول ظاهرة التقارب بين أحزاب الخضر اليسارية وتنظيمات الليبراليين الاجتماعيين
يمكن الافتراض أن ظاهرة التقارب في عالمنا المعاصر بين الليبراليين الاجتماعيين وأحزاب الخضر اليسارية(إذا جاز لي أن أسميها ظاهرة) يعود إلى جذور تكون الفكر اليساري نفسه .
فمنذ نشأة الفكر اليساري في خضم بذرة الثورة الفرنسية وجلوس النواب الثوار على يسار الملك (لويس السادس عشر)، برزت أفكار الليبرالية الاجتماعية بمفاهيمها المنادية ب(الحرية والإخاء والمساواة) ، والتي تعد هي نفسها بذرة الديمقراطية التشاركية التي تتبناها أحزاب الخضر ذات التوجه اليساري في معظمها.
وهنا، لابد أن نفك الاشتباك ونفرق بين مفهوم الديمقراطية التشاركية ومفاهيم أخرى كالاشتراكية الشيوعية واليسار الراديكالي ، فالبعض يخلط بينهم.
* مفهوم الديمقراطية التشاركية التي تتبناها معظم أحزاب الخضر :
باختصار ربما يعد مخلا ..نشأ مفهوم الديمقراطية التشاركية كفكرة لمعالجة قصور الديمقراطية التمثيلية أو النيابية ، بحيث يتيح تمثيلا أكبرا وسماع لصوت الناخببين ومزيد من إتاحة الفرصة لهم في إبداء الرأي في الشأن العام وطرح الحلول لمشكلاتهم المحلية ، وتتيح بذلك مزيد من الاسهام في التجسير بين السلطة والناخب العادي ..عبر إستمرار الحوار والمساءلة والتداول بين المواطنين ونوابهم الممثلين.
ويعد الباحث السوسيولوجي البريطاني أنطوني جيدنز صاحب نهج (الطريق الثالث)،ومؤلف كتاب (بعيدا عن اليسار واليمين :مستقبل السياسات الراديكالية) من أبرز منظريها .
وهي بذلك تختلف عن اليسار الراديكالي أو اقصى اليسار الاجتماعي (اللاسلطوية)، ليس من حيث المفهوم ولكن من حيث التطبيق والآلية السياسية المعتمدة على نهج (اللاعنف).
وكذلك تختلف عن أقصى اليسار الاقتصادي أو الشيوعي أو الثوري بتبنيها نهجا وسطا بينه وبين الديمقراطية الليبرالية ، خاصة في جانبها الاقتصادي.
بمعنى آخر ،الليبرالية الاجتماعية : كمفهوم ونهج خرجا من رحم الليبرالية الكلاسكية الرأسمالية .. تقارب بذلك مفهوم الديمقراطية التشاركية التي تتبناها أحزاب الخضر حول العالم ، هذه الديمقراطية التشاركية التي خرجت أيضا من رحم الاشتراكية اليسارية في جانبها الآيدلوجي المتطرف.
وإن خروج هذين المفهومين السياسيين الحديثين من رحم آيدلوجياتهما الكلاسيكية ، وإلتقائهما في خط الوسط بالنسبة لأيدولوجياتها القديمة..
يمثل من ناحية : تطورا و تمردا لصالح مزيد من الحرية والحماية الاجتماعية والسياسية للمواطن.. ومن الناحية الأخري يمثل الأمان الاقتصادي وحق المواطن في الرفاه عن طريق تطبيق مفهوم الاقتصاد التشاركي .
وبذلك ، هي محاولة من جانب المفهومين نظريا وتطبيقيا لتقليم أظافر الليبرالية الكلاسكية في جانبها الاقتصادي والذي يتمثل فيما يلقب بالرأسمالية المتوحشة وسياسات التحرير الاقتصادي المطلقة واللذان يتمثلان بصورة حادة في النهج العولمي الجديد الذي يسمى بالليبرالية الجديدة(New Liberalism ). ومن الجانب الآخر هي كذلك تقليم آخر لأظافر الاشتراكية المطلقة التي تختزل التاريخ في الصراع الاجتماعي الطبقي وخاصة جانبه الاقتصادي وتضيق على الملكية الفردية .
لذلك ربما نلاحظ تقارب هذين المفهومين مؤخرا وتبنيهما خاصة من جانب أحزاب الخضر وعديد من التنظيمات الحديثة التي تريد المزاوجة بين المفاهيم السياسية واستعارة أفضل ما قدمته البشرية من مشاريع وأنظمة حكم، وتبنيها وصياغتها في مفاهيم حديثة لصالح التقدم والتطور البشري ، وذلك تطور تاريخي طبيعي للمفاهيم السياسية بعد خضوعها للتجارب وإثبات نجاعتها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا . وإلا خضوعها الذي لا مفر منه لعملية تنقيح وتطوير مفاهيمي.. كما حدث في حالة التجويد والتنقيح لمفهوم الديمقراطية التمثيلية بمفهوم الديمقراطيةالتشاركية التي تتيح للناخب سلطة ودورا أوسع من دور الناخب في العملية الديمقراطية التقليدية.
* أتمنى أن أكون قد أوضحت وأوجزت.
آمنة أحمد مختار أيرا
6 /Nov/ 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق