الصفحات

الاثنين، 13 مايو 2019

اللا عنف: العصيان المدني والإضراب العام

اللا عنف: العصيان المدني والإضراب العام

خلفية تاريخية :
نهج اللا عنف هو أسلوب مقاومة عتيق تاريخيا وليس كما يعتقد البعض أنه مفهوم ونهج حديث النشأة .
فقد تم التبشير به وممارسته عبر القرون من قبل العديد من الشعوب حين كان ميزان القوة لا يميل لصالحها بل لصالح العدو أو الحكام الظالمين.
ونجد أثرا لهذا الكفاح السلمي في المعتقدات الدينية لبعض الشعوب القديمة،بل حتى في الكتب الدينية لمعظم الأديان ..
بما فيها الأديان التي تلقب بالسماوية .
ففي الأناجيل مثلا نجد إشارات لهذا النهج السلمي الذي مارسه ودعى له السيد المسيح (عليه السلام ) سواء في أقواله أو حياته ..خاصة في المشهد الأخير لحياته على الأرض .

فقد كانت عباراته الأشهر:
(وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكم)
 (متي 5: 44).
("وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا).
(متي 5: 39)
 وإلي آخره من عبارات متسامحة عميقة المغزى الإنساني والجلال الروحاني .

أما في الإسلام، فرغم ممارسة الجهاد والقتال ضد الأعداء ..فقد حفلت حياة الرسول (صلعم) وصحابته بنماذج التسامح خاصة في بداية الدعوة ..وكذلك عند تمام النصر .
وهنالك آيات وأحاديث تحض على المقاومة السلمية: (لئن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٍۢ يَدِىَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَٰلَمِينَ). المائدة ٢٨
(ليس الشديد بالصرعة ،إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
حديث شريف، ومتفق عليه.
وإلى آخره من آيات وأحاديث نبوية حاضة على هذا المفهوم السامي.

أما في التاريخ الحديث فتعتبر جماعة( الأصدقاء) التي عرفت ب(الكويكرز) من أبرز الجماعات التي تبنت هذا الفكر غير العدواني.
ثم ظهر المفكر الأميركي هنري ديفيد ثورو وكان من أبرز منظري المقاومة السلمية.
 كذلك يعتبر مهاتما غاندي من أبرز مبشري وممارسي مفهوم (أهيمسا)، وهي عبارة سنسكريتية تعني اللا عنف .
وكذلك رائد الحقوق المدنية الأمريكية القس مارتن لوثر كنج .

وفي التاريخ المعاصر من أبرزهم بترا كيلي مؤسسة حزب الخضر الألماني .
وكذلك ليخ فاليسا رئيس حركة (تضامن) العالمية البولندية ورئيس بولندا السابق .
والزعيم الجنوب أفريقي نلسون مانديلا

كذلك تبنت سياسة اللا عنف كل تنظيمات الخضر السياسية وحركات ومنظمات البيئة حول العالم وأشهرها حركة السلام الأخضر.
وكذلك العديد من النقابات العمالية والحركات المطلبية المدافعة عن حقوق النوع والأقليات والبيئة وقضايا المناخ.
 وكذلك الحركات السياسية المتصدية لممارسات فرض العولمة ومناهضة التحكم الرأسمالي في الاقتصاد العالمي.
وكذلك العديد من الانتفاضات والثورات الشعبية حول العالم .
فقد ثبت إحصائيا أن كلفة المقاومة المسلحة أكبر بكثير من كلفة المقاومة السلمية.
كما أن حركة اللا عنف تجمع بين الاستراتيجية المرنة والصورة النضالية الحضارية التي يمكن بجاذبيتها وتكتيكاتها السهلة التطبيق..مقارنة بالمقاومة العنيفة أن تصير معدية وملهمة لدول وقضايا عديدة.
ويعتبر د.جين شارب، من أبرز منظري سياسة اللا عنف في العصر الحديث وله إسهامات فكرية معروفة للتقعيد لهذا المنهج المقاوم .

تتعدد أساليب المقاومة السلمية بتعدد المواقف والمواجهات والظرف الداخلي للبلد أو المنطقة أو بيئة ومجال القضية محل الكفاح.
وعلى حسب جين شارب يمكن تصنيف هذه الأساليب والتكتيكات في ثلاث مجموعات رئيسية:
١- أساليب الاحتجاج والإقناع (مثل التظاهرات والمسيرات السلمية(المواكب)..وكتابة ونشر وتوزيع المنشورات (الموجهة)..واستخدام ألوان معينة (في اللبس او الشارات مثلا).
٢-أساليب اللا تعاون( وتعني كل أنواع الرفض الشعبي مثل الإضرابات والمقاطعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمؤسسات الدولة) أضف لذلك منسوبيها .
٣-أساليب التدخل اللا عنيف( تعطيل الأعمال الروتينية واحتلال المكاتب(الحكومية والموالية)، وإنشاء مؤسسات وحكومة موازية (حكومة ظل).

ويعتمد اختيار النشطاء للوسيلة المناسبة حسب طبيعة المواجهة التي يفرضها الموقف .
فقد يكتفي البعض بكتابات الجدران أو الرسوم الجدارية التي تعبر عن القضية محل الكفاح، وكذلك نشر المناشير، والاضراب عن الطعام سواء كان فردي أو جماعي .
ومن ثم يتطور تكتيك المواجهة السلمية وفقا لتطور الأحداث والتحديات.
 .......
والآن نأتي لحالة السودان، وثورته المنتصرة بلا شك ..والتي استخدمت هذا النهج اللا عنفي بنجاح حتى الآن، عبر التظاهر والمواكب والمناشير والكتابة الرافضة والرسوم على الجدران ..وقد توجت عملها بالاعتصامات التي حققت نصرا ملموسا تمثل في تنحية الدكتاتور وتبقت مهمة إزالة دولة حكمه العميقة .

العصيان المدني والإضراب العام :
وهو الوسيلة المتبقية الآن في جعبة الثوار لتطلق رصاصة الرحمة على النظام الحاكم عبر مجلسه العسكري.
وهو الخطوة المنطقية التي تعقب الاعتصامات، لتسبب شللا في الدولة يجعل من الاستمرار في السيطرة عليها أمرا غاية في الصعوبة لأي حاكم .
ولا أعني بذلك إلغاء الاعتصامات.. بل تستمر ويكون الإضراب العام السلاح البتار المكمل والمتوج لكل الحراك الثوري .

إضراب معلن في توقيت واحد في كل البلاد
يشل الدولة تماما..
وسنرى ماذا يفعل العسكر حينها.

هذا مع ضرورة أخذ المضربين احتياطاتهم اللازمة وتوفيق ظروفهم بقدر الإمكان ..آخذين في الاعتبار أنه قد يكون إضرابا طويلا يحتاج صبرا وعزيمة لا تفل ..ولكن نتيجته ستكون فاصلة ومرضية .

كذلك على سودانيي الشتات تكوين لجان لدعم المضربين .
و..
#الثورة_منتصرة

آمنة أحمد مختار أيرا
13 May 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق