الصفحات

السبت، 24 مارس 2018

الشوفينية .. والتاريخ

مصطلحات وتعريفات منهجية :
* الشوفينية : هي التعصب والتطرف في الإعتقاد ورفض كل ما يخالف نظرة ورأي الشخص الشوفيني ، خاصة سواء كان الشخص المغال في التعصب هذا دافعه : قومي أو آيديلوجي  أو حزبي أو عقيدة دينية أو فكر ما..
* التاريخ : هو أحداث الماضي وسياقاتها وشخوصها .
* علم التأريخ : يمكن تعريفه بعلم تسجيل وتدوين ودراسة وتتبع أثر وتطور الإنسان على الأرض عقب المراحل والسياقات التاريخية المختلفة ، اعتمادا في ذلك على الوسائل والأدوات المنهجية في دراسة البينات والمعطيات التاريخية ، سواء تلك التي عثر عليها في المصادر الأولية : من المواد الأثرية المادية الشاخصة والوثائق والمخطوطات ، أو الثانوية : من المراجع المختلفة ومؤلفات المؤرخين والمرويات التراثية والكتب الدينية . وذلك عبر مناهج البحث التاريخي والآثاري - ويستعان في ذلك بالعلوم المساعدة كعلوم : اللغويات ، والأنثربولوجي ، وعلم الوراثة أو الجينات Genetics ، والجغرافيا وعلم طبقات الأرض ، وكذلك دراسات الفولكلور أو التراث . شرط أن يتحرى الباحث الموضوعية والصرامة البحثية بقدر الإمكان ، كي يتجنب هوى الباحث وميوله الذاتية في تشويه أو تحوير الأحداث التاريخية .
وموضوع التاريخ الأساسي هو الإنسان والمكان عبر الزمان .
ودراسته تكون عبر مناهج التاريخ ، ولكل مساق تاريخي منهج مختلف وأدوات بحثية مختلفة تحكم سياق الموضوع قيد البحث والحفر التاريخي ، فموضوعات التاريخ وجوانبه المختلفة حتمت أن يخصص لكل منها منهج مختلف يدرس جانب من جوانب النشاط الإنساني .

* التاريخ كعلم -  قد لا يستهوي البعض.. باعتباره ماض.. أكل عليه الدهر وشرب.. أو.. باعتباره علم لا يغني الحاضر ولا يسمن من جوع.. فما فات قد مات.. ولا سبيل لاستعادته.. ولكن !
ماذا نفعل مع :
1- غريزة البشر ..في شأن البقاء والهوس به.. والهوس باستمرارية الإرث والشأن..
2- وكذلك غريزة ( الفضول)  البشرية الأزلية.. كما يبدو.. ؟!
3- وكذلك واجب التوثيق لخطى الإنسان على الأرض ، وشؤون وشجون حضاراته وثقافاته ، فلكي نفهم حاضرنا ونخطط لمستقبلنا.. فلا مناص إذن من دراسة التاريخ والتأمل والبحث فيه.
شخصيا : عندما اخترت دراسة التاريخ.. مخالفة لذلك رغبة والداي ( بعلامة الشدة على آخره)  .. كونه علم لا ينفع.. في حاضرنا الذي يمجد التخصصات المهنية التي تحقق عائدا مجزيا.. نسبة لملامستها واقع الناس.. ومعاناتهم الآنية.  ربما كنت أنانية بدافع الفضول الذاتي.. ولكن.
عزائي أني لم أك وحدي في هذا الفضول ( الإنساني)  ، فلقد تعرفت علي كثيرين وكثيرات ممن تخصصوا في دروب التخصصات المهنية.. ثم لم يلبثوا أن تملكهم الشغف ذاته..!

ثم ، ماذا أريد أن أقول هنا..أو.. بالأحرى : ماذا لدي لكي أضيف.. ؟!!
ربما.. ليس الكثير.. ولكنها مجرد ملاحظات وتأملات إنسانية.. هنا أو هناك..
فلا يزال التاريخ الإنساني يلفنا بغموضه.. مهما تبحرنا فيه أو ادعينا.. مثله كمثل اللغات البشرية بالضبط.. التي زالت تتحدانا... وتوقعنا في أخطائها البلاغية.. مهما ادعينا من تمكن ..
ولا تفتأ أن تمد لنا لسانها ساخرة.. فمن صنع البلاغة من ؟! .. فربما هي شأن رباني آخر.. لتحدي الإنسان. وما أبلغها وما أقساها من تحديات.. ربي لطفك !!
لاحظت : أن كلنا يسخر من بعضنا.. ويصحح بعضنا بعضا.. ثم لا نلبث أن نقع في نفس الخطأ.. وياااا لسخرية القدر ( كما تقول كل اللغات)  .
والسؤال الذي لا أنفك أطرحه على نفسي كباحثة في التاريخ وكذلك في علوم الإجتماع..
من يملك الحقيقة والجواب الشافي.. من ؟!!!!
والجواب : لا أحد.
والمعذرة في هذه المحصلة التي ربما تبدو متطرفة أو تقريرية من ناحية لغوية ، ولكن..لدي مبررات قد تكون منهجية ومنطقية.. وقد يفارقها المنطق والمنهج ، ولكن عزائي أني قد تحريت المنهج ما استطعت.. فالمنهج لم يوضع هباء أو تسلية أو مراءاة .. ولكنه وضع من قبل أناس تملكتهم الحيرة مثلي.. فارادوا أو تحروا أن يضعوا فاصلا بين الغثاء والأماني.. وبين الحقيقة  .
ولهم الفضل فيما اجتهدوا فيه.

كل يدعي وصلا بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاك

تباركت ليلى.. وتبارك مسعاها في جعل نوالها صعبا.

ليس هذا شماتة مني معاذ الله.. ولكنه ريب وتريث الباحث الذي شاءت الصدف وربما ( العناية الإلهية.. التي أؤمن بها وقد لا يؤمن بها غيري.. ولا تثريب عليهم بالطبع)  أن يكون متدربا نوعا ما على مناهج البحث.. التي لم توضع( عبثا ) ، والفضل في ذلك لمن تعلمت منهم المنهجية.. وصرامتها ( هذه العبارة التي قد لا تروق للبعض.. ولكنها نبعت من رحم معاناة.. صدقوووووني)  ..

سين سؤال : على سبيل المثال .
وهذا السؤال موجه لأمة التيه.. هل تعرفونها ؟
هل حزرتهم أمرها ؟!
لماذا : لم يستطع البشر ساكنو الرقعة الجغرافية المسماة ب(السودان )حتي اليوم من فك شفرة لغتهم الحضارية.. التي سماها علماء التاريخ والآثار واللغويات.. بالمروية أو اللغة السودانية القديمة ؟!!
لماذا يا ترى.. ؟!!!

لماذا ؟!!
المايك مع جميع من يشملهم هذا التصنيف الجغرافي والإنساني.
ولن أقول الجيني.. معاذ الله...
فعلم الجينات عودي فيهو ( عود مرة)  على قول المثل( السوداني الأوسطي ) الدارج  ..
( سبحان الله أول مرة أقرا المثل دا كان في السايبر السوداني.. كتر خييييييره رغم كل شئ هههههه)  .....
وأن اللبيب بالإشارة.. شنو داك 
والله حافظة الكلام دا صم.. ولكن مزاجي أعمل رايحة في الحتة دي بالذات.. ما عارفة ليه ..ممكن توروني ؟!
(ملحوظة : العايز ( يوريني) ..رجاء يراجع مدلولات ومعاني الكلمة في لغات وادي النيل.. كما فعل الخواجات قدس الله سرهم )  ...
فمافيش حاجة بتجي بالساهل... على قول جيراننا في الوادي والحضارة.

( كل التجارب مهما كانت قاسية ، اعتبرها و خذها زاد لك في سبيل التطور والمعرفة الإنسانية ).
نصيحة بسيطة من زولة عادية جدا..
لا نبية ولا متنبئة أو طموحة في هذا الشأن .

*  لاحظت أن هنالك اهتماما محموما بدأ يتبلور في المنطقة بصورة جلية بمجال تاريخ الأمم وحضاراتها . وأعني بالمنطقة مجالنا الجغرافي شمال أفريقيا وشرقها وغربها وكذلك الجزء المجاور لنا من آسيا ، أو ما يسمى اصطلاحا بمنطقة الشرق الأوسط .
وأعتقد أن هذا الأمر يعود لعدة أسباب سأركز على ما أراه رئيس منها :
1- فشل الآيدلوجيات المختلفة الدينية والسياسية والفكرية التي حكم بعضها المنطقة وبعضها حكم مناطق أخرى مجاورة.. في تحقيق معظم إن لم يكن كل ما كانت تحلم به شعوب هذه المنطقة من أحلام إنسانية مشروعة وحرية وكرامة في أوطانهم .
2- ثورات الربيع العربي المجهضة.. إلا من رحم ربي .
والحراك الوطني الذي أذكى مشاعر الكرامة الوطنية والميل للحرية والديمقراطية وتطلعات هذه الشعوب في حكم نفسها واختيار قياداتها ..وبالتالي الفخر بتاريخها.
3- التحول الدراماتيكي لآمال البعث العروبي والذي تلته أحلام الصحوة الدينية ، هذين الأملين المصطبغين بأصباغ قومية سياسية وأصباغ دينية سياسية.. تحولت لاحقا إلى صراعات إقليمية تلاها بروز حركات دينية متطرفة.. حولت أحلام القوميين وأحلام السلفيين الدينيين إلي كابوس مقيم.. بل إلى كوابيس متناسلة ومتسلسلة الله وحده يعلم متى ستنتهي وتتلاشى  ..
الأمر الذي حدا حتى بتلك الحكومات التي تبنت هذه   الآيدلوجيات عقودا أن تبدأ في تحسس مسار أقدامها.. وتضطر إلى محاولة تنقيح ومراجعة سياساتها وغربلة مناهجها ولجم شطط منظريها.. فما بالكم بالشعوب ؟!

فأعتقد إذن أن صدمة الشعوب كانت أكبر.. وهي ترى أن هذه الآيدلوجيات التي ورطها فيها حكامها تسببت في بروز منظمات متوحشة ومتعطشة للدماء.. تعتمد في ذلك على ما تشربته من آيدلوجيات قومية ودينية تم إنشاء أجيال عليها وعلى أفكارها .
فكفر الشعوب إذن هنا بكل ما كانت تمثله هذه الآيدلوجيات القومية والثيولوجية الطموحة العابرة للحدود والدول والقارات..
غالبا نابع من صدمتها وقرفها وشعورها بالخزي والعار مما تربت عليه من أوهام أفكار رجعية تلبست مسوح الطهرانية والملائكية والإخاء الإنساني.. ثم كشرت عن أنياب إبليس في صورة تنظيمات صارت تنهب وتفتك وتذبح وتشرد وتغتصب ..بل وتجتاز القارات لتفتك بالبشر الغافلين الآمنين في ديارهم البعيدة..!

لكل هذا.. ونسبة لما يجري على مسرح الحدث التاريخي المعاصر ونشهده كلنا..
برزت عدة تيارات تمثل أنواعا من ردود الفعل والرفض لكل ما كان يعتبر من المسلمات.. بل حتى المحرمات .
وردود الأفعال هذه ، بعضها إتخذ :
1- جوانب سلبية متمردة.
2-جوانب إيجابية ولكن متمردة أيضا .
3- جوانب إيجابية مجردة.

وسأحاول تفصيل كل من هذه الجوانب باختصار كي أدلف إلى موضوعي الرئيس في هذا المقال :
* الجوانب الإيجابية المجردة ..تتجلى في محاولة إجراء مراجعات ودراسات موضوعية لكل الظواهر أعلاه ، أسبابها وطرق تصويبها ، وذلك عبر المراجعات الفكرية والدينية وتنقية التاريخ وكتب التراث من الأفكار المتطرفة ، وكذلك عبر انتشار الجدال والسجال الفكري الراقي ومحاولة استخدام كل المنابر المتاحة ، وهنا كان لعالم السايبر مجده.. بما وفرته التقنيات الحديثة من وسائل جعلت المعرفة متاحة لكل الجماهير حتى ربات البيوت ورعاة الضان في الخلاء.
* الجوانب السلبية المتمردة : أوردها باختصار في رفض كل ماهو قديم.. بل حتى ركل كل المعتقدات الدينية والسخرية من رموزها وتفشي اللادينية العشوائية.. وهذا تعبير قصدت به اللادينية غير المؤسسة على دراسات وتأمل جاد وإطلاع على الأديان وبالتالي نقدها أو رفضها رفض عقلاني وممنهج .
وكذلك تفشي كراهية السياسة وممارسيها وعدم الثقة بهم.
* اما الجوانب الإيجابية ولكن متمردة أيضا فهي موضوعي الرئيس في هذا المقال ، وعذرا على الاسهاب أعلاه.

فأصحاب هذا الجانب لم يكفروا بكل الماضي.. بل عادوا له.. ولكن لماض بعيد مغرق في القدم والعراقة ، يرونه أجل وأنبل مما يرونه ماضيا سلبيا له علاقة بما يحدث الآن في المشهد السياسي والديني المخيب للآمال.
فهم يحنون إلى ماض حيث كانت لحضاراتهم المحلية فيه وجود وعنفوان باعثان على الفخر الوطني.
هؤلاء البحاثة الجدد.. ظهروا في كل البلدان في المنطقة ، وهدفهم نبيل بلا شك.. إن تحروا الموضوعية.
فدراسة الحضارات القديمة لكل بلد مفترض أن تكون واجبا وطنيا لكل دولة تنشد تربية النشء على الفخر القومي.
وكذلك دراسة التاريخ تعلمنا الكثير عن الحاضر وتساعدنا في فهمه وحسن صياغته بل واستشراف المستقبل والإعداد له لمصلحة الأجيال القادمة.
ولكن..
ماذا نفعل مع الشوفينية التي نشأ معظمنا عليها ؟!.. والتشويه الذي تسببت به المناهج الدراسية المؤدلجة.. التي صممت لتصيغ أجيالا لا تعرف سوى  التبعية وعدم المنهجية وتدريب العقل على الموضوعية  ؟!

لماذا أكتب هذا ؟
لأني طفت على كثير من مواقع ومجموعات التواصل الإجتماعي التي تهتم بالتاريخي التابعة لباحثين وهواة من كل هذه الدول في محيطنا الأفريقي والآسيوي.
ولمست نوعا من التطرف الأعمى.. والنوستالجيا غير المنهجية في محاولات الحفر التاريخي في غالب الأحيان.
بل لمست عداوة.. وصراعات.. وتنافس.. بل وصل الأمر ببعضهم إلى محاولة رفض حقائق التاريخ المثبتة عبر الوسائل والأدوات المنهجية.. ومحاولة لي عنقها لتفصل تفصيلا على دولهم ومجموعاتهم..!!
والأمثلة عديدة أكثر من أن تحصى..
وبعضها قد يصل إلى درجة الكوميديا السوداء.
فحتى الصحف بل وشاشات التلفزة.. صارت تطالعنا كل فترة بعناوين على شاكلة :
( باحث سوداني يفجر مفاجأة ) ..
وعندما تطلع على المفاجأة قد يصيبك الذهول من كم التزوير و( النجر)  الذي لا يقوم على أي منهج من مناهج البحث التاريخي.. بل لا يقوم على ساقين.. سوى الأماني وأحلام اليقظة..!!

بل أدهى ما في الموضوع :
أن هذه المنابر التي تتاح ل(عنقالة التاريخ) وعذرا على التعبير القاسي والساخر ... قلما تفسح المجال لكبار المتخصصين من العلماء الذين أفنوا عمرهم في الدراسة والبحث والتنقيب الجاد والمضني في شأن الحضارات..!!

فرفقا بنا يا شوفينية التاريخ.
ورفقا بنا يا بواقي الأدلجة الدينية ورواسبها.. التي جعلت بقدرة قادر معظم الأنبياء والرسل خرجوا من بلاد السودان ( تحديدا) !!

فتأملوا : حتى عندما أراد هؤلاء بعث حضاراتنا السحيقة و استعادة أمجاد الأمة التاريخية.. دخلوا من ثقب ثيلوجي ضيق جدااا.. وهو الذي تربوا عليه.. ومن تربى على شئ شاب عليه كما يبدو.
فمهلا يا هؤلاء وأولئك. تمهلوا قليلا ولا تتسرعوا..
فتاريخنا الحقيقي فعلا باذخ وغاية في الروعة ومثير حد الإثارة.. ولا يحتاج أن يحشى بادعاءات وهمية وجوفاء وخالية من أي منطق أو أسلوب منهجي.. فقط لأنها تلامس وتداعب أمانيكم الدينية الحالية.

آمنة أحمد مختار أيرا
17 Mar 2018
hopenona7@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق