الصفحات

الخميس، 20 يوليو 2017

عزة ، العازة ، العزى ، إيزا ، إيزيس



من هي عزة ؟ 
ولماذا يتغنى بها ولها السودانيون في أكثر من أغنية ونشيد وقصيد ..ويلهجون بذكرها ؟

( عزة في هواك )
( يا عازة الفراق بي طال )
(عزة قومي كفاك نومك )..إلى آخره من قصائد ومغنيات أخرى ..قديمة وجديدة !!

هل* عزة المعنية هي حقا : عزة محمد عبد الله ..قرينة البطل علي عبد اللطيف وأول امراة تمارس النشاط السياسي ضد المستعمر البريطاني ؟
أم الأمر أقدم من ذلك ..وأكبر !
وهل للأمر بعد تاريخي كما أزعم وأعتقد ؟

فلو تناولنا الأمر في فذلكة تاريخية لنعرف مصدر الإسم الشائع عزة ، فسنجد أن للإسم مصدرين تاريخيين قديمين جدا :
* إيزا أو إيزيس : وهي أشهر ( نتريت ) في وادي النيل ..والأكثر تقديسا بين النترو لدى شعوب وادي النيل . بل إن أهلنا البجا كانوا يقدسونها إلى عهد قريب ، وقد خاضوا حروبا مريرة مع الرومان لإستعادة حق الحج إلى معبدها القابع في جزيرة ( فيلة ) في (ألفنتين) أسوان الحالية .
كذلك كانت هي النتريت المفضلة لدى كل الكوشيين ( السودانيون قديما) والكمتيين ( شعب مصر القديم ) ، وإنتقل تقديسها إلى كثير من بقاع أفريقيا وآسيا وأوروبا ،* وقصتها مع عائلتها من النترو ( أوزير - أوزوريس ، و حر -حورس ، وست ، ونفتس ) تعد من أقدم الملاحم في تاريخ وادي النيل ..بل في تاريخ العالم أجمع .
والبعض يشبهها بقصة بني آدم هابيل وقابيل ..

* والنترو : في تاريخ وادي النيل هم كائنات بشرية خارقة تقوم بمهام إلهية عبر تحكمهم في قوى الطبيعة . 
والكلمة إنتقلت إلى اللاتينية لاحقا لتعبر عن معنى الطبيعة . وذلك في إنتقال تكرر كثيرا لثقافة وادي النيل إلى الحضارات الإغريقية والرومانية ، نسبة لحالة الإنبهار التي سادت العالم القديم بإرث وادي النيل الثقافي .الأمر الذي عبر عنه مارتن برنال في سفره القيم ( أثينا السوداء  Black Athena: The Afroasiatic Roots of Classical Civilization) .

* أما المصدر التاريخي الآخر للإسم فهو إلهة العرب القديمة في الجزيرة العربية ( العزى ) ..
وهي إلهة قديمة كونت مع رفيقاتها من المعبودات (اللات ومناة) ثالوثا أنثويا عبده أهل مكة ( قريش ومن والاهم ) .
والسؤال : من أين جاء القرشيون بمعبودتهم العزى ؟
وهل هي نفسها إيزا أو إيزيس ؟
الأمر غير مستبعد ..خاصة لمن يعلم الوشائج التاريخية والإثنية والثقافية التي تربط الجزيرة العربية( خاصة جنوبها وغربها) بأفريقيا ( خاصة شرقها وشمالها ) .
ولقد تناول هذه العلاقة ..بصورة عكسية في نظري وفي نظر كثير من متخصصي التاريخ ..دكتور على فهمي خشيم في سفره القيم المعنون ب( آلهة مصر العربية ) ..!
.....
المهم ، أيا تكن العلاقة وأيا يكن المصدر ..فلا شك أن الإسم يعود لإمراة عظيمة لعبت أدوارا تاريخية رائعة جلبت لها التقديس والتفخيم حتى لقبت ب(إست ) ..وهو لقب يعني السيدة عند قدماء المصريين.. وعند البجا كذلك .
وحتى لو خالطت الأساطير والخرافات سيرتها ..فهي سيرة تدل على الوفاء والتضحية والتفاني في حب الأسرة والزوج والإبن ،وكذلك على عزيمة حديدية وشجاعة فائقة وإصرار لا يلين .
فهل تذكركم هذه السيدة بأحد ما ؟
ألا تذكركم بأمهاتكم وقريناتكم وأخواتكم وبناتكم السودانيات الرائعات ؟ ..اللواتي يقدمن كل يوم درسا في الشجاعة والصبر والتفاني والكفاح.. وفي الحفاظ على الإرث السوداني العريق والثر من أن يتلاشى وتذروه رياح النسيان ؟
ألسن هن المخضبات بالحناء مجدولات الضفائر الملتحفات بثياب وادي النيل المتعطرات بالخمرة والصندل.. من يحرسن ثقافتكم القديمة أمام غزو المتطرفون الكارهون للنساء المحتقرون لبوابات عبورهم إلى الدنيا ؟
فبغض النظر عن التأليه والعبادة ..فعزة صارت هي الوطن والوطن هو عزة . 
لا نعرف بالطبع متى إلتحم هذا اللقب بالوطن وصار يرمز له ..ولكن الأمر يستحق البحث حوله عبر حفر تاريخي ممنهج . وما كتبته هنا لا يعدو أن يكون فاتحة عصف ذهني مشجع لمزيد من البحث .
كما أن لي غرضا آخر ..ألا هو رغبتي وأمنيتي في أن يكون النشيد البارع ( عزة في هواك ) لخليل فرح هو النشيد القومي السوداني ..بدلا عن النشيد الحالي الركيك معنى ومبنى ولحنا ، والذي لا يصلح سوى أن يكون فقط جلالة من جلالات الجيش ، وهو في نظري يتقاصر عن تمثيل أمة عريقة ذات ثقافة وإرث يعدان من أقدم الثقافات ذات الموروثات المستمرة حتى اليوم رغم الغزو الثقافي الرهيب شرقا وغربا .
......
عزة هي عزتنا ، هي المرأة هي الأم الأفريقية التي أنجبت البشر فانطلقوا في كل بقاع الأرض ليعمروها كما أراد لهم الصانع..واستخلفهم فيها . ولذلك تعلقنا بها ليس صدفة .وولاءنا لها طبيعي و مغروس في جيناتنا ، ولذلك تفيض أعيننا وأعين بني عمومتنا الأحباش شجنا وطربا حينما نتغنى بنشيدها ..ليس تقديسا وإنما تبجيلا ..ففيها نقدس كل معاني الجمال والخير والعزة وإحترام الأرض والطبيعة .

ولذلك إنطلق نشيدها ليغزو الأرض فنا ولحنا ومعنى فتغنى به الروس والصينيون والأحباش والفرنسيون ..وأتوقع له مزيد من الإنتشار .فكل من يسمعه سيتعلق به ..فهو نشيد مؤهل للعالمية بما يحمله من معاني بسيطة جزلة وبلحنه الأوبرالي البارع .

،،،،،،،،
عزة في هواك ... عزة نحن الجبال
و للبخوض صفاك ... عزة نحن النبال
عزه مابنوم الليل محــــال
و بحسب النجوم فوق الرحال
خلقة الزاد كمل و أنا حالي حال
متين أعود أشوف ظبياتنا الكحال
عزه ما سليت وطن الجمــال
ولا إبتغيت بديل غير الكمــال

و قلبي لي سواك ما شفتو مال
خذيني باليمين وأنا راقد شمال
عزه ما نسيت جنــة بلال
و ملعب الشباب تحت الظلال
و نحن كالزهور فوق التلال
نتشابي للنجوم و أنا ضافر الهلال
عزة جسمي صار زي الخلال
و حظي في الركاب صابو الكلال
و قلبي لسه ما عرف الملال
أظنه ود قبيل و كريم الخلال
عزه ما إشتهيت نوم الحجال
و لا السوار بكى في يمينا جال
و عزه في الفريق لي ضيق مجال
قبيلة بت قبيل ملأ الكون رجال

عزة شفتي كيف نهض العيال
جددوا القديم تركوا الخيال
روحك أم سماح سري كالسيال
شجوا الفؤاد حيوا محسور الليال
عزه في الفؤاد سحرك حلال
و نار هواك شفى و تيهك دلال
و دمعي في هواك حلو كالزلال
تزيدى كل يوم عظمه إزداد جلال

عزه في حدا الخرطوم قبال
و عزه من جنان شمبات حبال
و عزه لي ربوع أم در جبال
و عزه في الفؤاد دوا يشفي الوبال

آمنة أحمد مختار
On 15 Jul 2017 hopenona7@gmail.com
http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-80110.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق