الصفحات

الخميس، 20 يوليو 2017


    السودانيون ، وموسى وقومه ، ومعطيات التاريخ

    صحيفة الراكوبة

    تزايدت في السنوات الأخيرة كتابات سودانية من بعض أقلام غير المتخصصين في علمي التاريخ والآثار ، تزعم أن سيدنا موسى عليه السلام من أصل سوداني ، وأن فرعون موسى (كذلك ) من أصل سوداني ، وأن أحداث قصة الخروج كلها حدثت ضمن حدود السودان الحالي ، بل أن البحر الذي عبر به قوم موسى هو نهر النيل ( ضمن حدود السودان الحالي) لا سواه !!
    وليس هذا فحسب ، بل تزعم هذه الأسطورة الحضرية المعاصرة أن معظم الأنبياء عليهم السلام ينحدرون من جذور سودانية لا غير !!

    وبما أن لكل شعب أساطيره الحضرية المعاصرة ، إلا أن هذه الأسطورة بالذات حساسة للغاية ، أولا : لأنها تخالف كل ماهو متفق عليه من تفاسير دينية وتاريخية ، ثانيا : لا تقوم على ساقين ..ولا تستند على مرجعيات تاريخية وآثارية وجغرافية ولغوية بتاااتا ... لا تستند على شئ سوى الأماني .
    وبالتالي تعرضنا هذه الأسطورة لسخرية القراء والمتابعين من الدول الأخرى ..كما حدث مؤخرا بعد أن تبناها وزير الإعلام السوداني نفسه !!

    لذا صار لزاما علينا كمتخصصي تاريخ أن نتتبع قصة سيدنا موسى وقومه ( بالذات) في المراجع والمصادر التاريخية المتوفرة بين أيدينا ..رغم ندرة ظهور ملامح هذه القصة فيها.
    ولكن هكذا اقتضت الضرورة ..أن نتتبع أقرب فرضيات ممكنة ومعقولة ولها سند تاريخي ..كي لا نكون صمتنا عن هذه الخرافات التي صارت تروج بغير أسانيد منطقية سوى أمنيات أصحابها ..وتسبب لنا حرجا إعلاميا بالغا !

    العبرانيون ، من هم ؟
    لقد حار المؤرخون والأثاريون غاية الحيرة في تحديد شخصية فرعون الخروج الذي ورد في قصة سيدنا موسى عليه السلام و التي وردت في الكتب المقدسة ( الكتاب المقدس -العهد القديم ، والقرآن بالطبع ) ، هذا عكس خصومه العبرانيون الذين تعددت المصادر التي تشير إليهم ..أو إلى مجموعات تشبههم جفرافية ومسمى . وطبعا كان البحث عبر المنهجية التاربخية التي تعتمد على الآثار والمراجع والمصادر ووسائل وأدوات البحث المعروفة ، فالبحث التاريخي علم منضبط وليس أمرا هينا ولينا أبدا كما يستسهله بعض الذين لا يمتلكون أدواته ومنهجيته ..ومع ذلك يتصدون له بثقة وغرور عجيبين !!

    فماهي المعطيات الآثاربة والتاريخية التي بين أيدينا .. وربما تكون لها علاقة بهذه القصة الدينية ؟
    * مصادر أولية :
    1- أول ذكر للعبيرو في الوثائق الكمتية (المصرية ) كان في عهد الفرعون أمنحتب الثاني من الأسرة الثامنة عشر ، يذكر في نص له إنتصاره على ملوك سوريا وأسره لمجموعات من السكان البدو من ضمنهم مئات من العبيرو أحضرهم معه إلى (كمت ) مصر القديمة .
    2- وثائق تل العمارنة ( آخت آتون ) التي تشير إلى الفوضى التي أحدثتها مجموعات العابيرو في بعض المدن الفلسطينية . وذلك في عهد أمنحتب الرابع / أخنآتون.
    3 - لوح النصر للفرعون مرنبتاح الذي أشار إلى أنه قطع نسل ( يسرائيل ) .
    4- نصوص أوغاريت الشامية التي تشير لمجموعات تسكن خارج المدن تسمى العابيرو .
    5- رسائل مدينة ماري على الفرات الأوسط ، والتي تشير لمجموعتين من العبرو أو العابيرو ، المجموعة الأولى تسمى (بنو يامينا) أي أبناء الجنوب في اللغات السامية ، والمجموعة الثانية( بنو سمأل) أي أبناء الشمال . وقد لاحظ الباحثون الشبه بين إسم المجموعة الأولى وإسم السبط الثاني عشر من أسباط بني إسرائيل المعروف بسبط (بن يامين) .
    6- وثائق بناء مدينة بي- رعمسيس المتبادلة بين الفرعون رعمسيس الثاني ورئيس العمال ، وتتناول مجموعة من العمال العييرو الذين أشارت لهم المراسلات بلفظ (عبر ).
    7 - وثائق معركة قادش التي تشير إلى نقمة رعمسيس الثاني من العبيرو واستعبادهم بعد عودته من المعركة لأسباب ربما تعود لأدوار لهم كادت تسبب هزيمته .
    ......

    من كل ما سبق من إشارات تاريخية واضحة تشير لوجود قوم يسمون بعبيرو وخابيرو وعبر وعبري في بعض المصادر الكمتية والكنعانية والعراقية من نقوش ونصوص وغيرها ، إضافة لإشارة لوح النصر لمرنبتاح لقوم يدعون يسرائيل أو يزرأين . وهذه المصادر الأولية حددت بما لا يدع مجالا للشك أن أصول هؤلاء القوم تنحدر من كنعان ( الشام ) .
    ويالتالي هم آسيويون وليسوا بكوشيين بطبيعة الحال ...حتى يثبت العكس !
    ......
    * من هو فرعون الخروج ؟
    ربما لم يحتار رجال الدين كثيرا في تحديد فرعون موسى ، فوجود مومياء رعمسيس الثاني بحالة جبدة ، إصافة إلى الزمن الطويل الذي حكم فيه ( 67 عاما ، وتوفي عن عمر يناهز التسعين ) ، إضافة إلى بعض الشائعات بكون التشريح أثبت أنه مات غريقا . كل هذه أسباب ساعدت رجال الدين من مسلمين ويهود على الجزم وبوثوقية غير علمية ..على كون أن رعمسبس الثاني هو فرعون الخروج ! كمان أن إبنه مرنبتاح ناله ما نال والده من إتهامات ..نسبة لكلامه القاسي عن قبيلة يسرائيل في لوحه الشهير .
    المهم ، أن الإتهامات حول هذا الأمر تحوم حول الأسرة التاسعة عشر الشهيرة بعهد الرعامسة العظماء .
    هذا رغم أن المؤرخين والآثاريين لم يقطعوا برأي في هذه المعضلة حتى اليوم ، وذلك نسبة لتوخيهم الدقة التاريخية وكون أن هنالك مناهج تحكمهم .
    وحقيقة لا بسعني هنا إلا أن أحذو حذوهم ، ولكن هذا لن يمنعني من طرح بضع المعطيات.. التي ربما تبدو كفرضيات تظل مجرد فرضيات حتى بتم إثباتها بالوسائل العلمية المعروفة ..بطبيعة الحال .
    أولا : رعمسيس الثاني وإنتقامه من العبيرو لأدوار خائنة لهم خلال معركة قادش ، وثم الإشارات التي تدل على تسخيره لهم في بناء مدينة بي َ- رعمسيس . ثانيا - لوح النصر لمرنبتاح ، الذي يبدو كلامه فيه عن يسرائيل وإشارته لقطع نسلهم كلاما إنتقاميا للغاية ، لذلك رجح بعض الباحثين أن مرنبتاح هو فرعون الخروج .
    ثالثا : الفترة المضطربة التي حدثت بعد وفاة مرنبتاح في عصر الرعامسة ، والتي ظهر فيها فراغ في الحكم واضطرابات وإستقلال بعض المناطق ، ثم ظهور شخص غامض إسمه آمون مس وصف بكونه مغتصب للعرش ، حكم مدة من الزمان ثم تبعته الملكة تاوسرت التي حكمت بمعاونة أحد رجال الدولة ذوي النفوذ ويسمى باي . وتذكر بعض المصادر أن زوجها الأول كان شقيقها سبتاح ، ثم توفي وخلفه سيتي الثاني .
    المهم عمت الفوضى كمت ( مصر القديمة) في تلك الفترة وقامت الملكة تاوسرت بمحاولة مسح نقوش بعض الفراعنة وتدمير توابيتهم ، الأمر الذي دفع بكهنة آمون إلى إخفاء كثير من توابيت الفراعنة .
    فمن هي تاوسرت الرعمسية ؟
    ومن هو آمون مس ؟
    ومن يكون باي وزير تاوسرت ؟
    وما سبب الفوضى العظيمة التي حدثت بعد وفاة مرنبتاح ؟
    أسئلة تستحق البحث حولها ، فربما يلوح ضوء آخر النفق ..يخرجنا من متاهة التوهمات واستسهال الرجم بالغيب الذي صار متفشيا في شأن أمر الرسل عليهم السلام .

    .......
    * المصادر طي المقال.
    آمنة أحمد مختار

هناك تعليق واحد:

  1. good article thank you
    knowledge is unfolding every Soon we will have all the pieces of the jigsaw

    ردحذف